3 يوليو، 2020
الحوار الجزائرية
وطني

أسسنا منظمة ” الصحفيون الأفارقة في المنفى” لتقليص النزيف الفكري لأبناء القارة السمراء.

فتح الكاتب والإعلامي المغترب، لخضر خلفاوي، قلبه لقراء جريدة “الحوار”، مستعيدا شريط بدايته في عالم الإعلام في الجزائر وانتقاله مضطرا بسبب الظروف الأمنية إلى فرنسا وتمسكه بقلمه ودفاعه المستميت عن الصحفيين في المهجر وكذا رغبته في إعادة قلمه الساخر إلى الواجهة، مجددا عبر إصدار جريدة “الفيصل الإلكترونية” التي يعتبرها ضيف “الحوار” صوت من لا صوت له في الدول الغربية.

 

*لماذا اختار لخضر خلفاوي المهجر ليعيد إطلاق تجربته الإعلامية، وكيف كانت المسيرة خلال وجودكم بأرض الوطن؟

-لماذا اخترت المهجر أو بالأحرى المنفى، سؤال لو تحدثتُ لساعات لن أعطيه حق الإجابة.. باختصار شديد ومفيد، لم يكن اختيارا وحبا حرماني من الوطن و الأهل، بل كان اختيارا اضطراريا قسريا صنعته الظروف القاسية التي كنا نعيشها نحن الطبقة المثقفة وخصوصا الأسرة الإعلامية في بداية التسعينيات ونهايتها. لم أكن أتوقع يوما ما أن أترك الجزائر وأطنان من الأحلام النرجسية التي يتأبطها كل إعلامي ومثقف شاب في تلك الفترة المشؤومة على كل جيلي الذي واكب أحلك الظروف وأصعبها. بعد الضغوط والحروب الإدارية التي كانت تستعمل ضدنا من خلال الإجراءات التعسفية عن طريق المتابعات القضائية وغير ذلك من الممارسات اللاحضارية ضد الأقلام الحرة و غلق نهائي للجريدة التي كنت اشتغل فيها كمدير نشر و رئيس تحرير و حجز نهائي للعتاد والأجهزة التي كنا نستخدمها في إصدار الجريدة، ومع تضاؤل بصيص الأمل و تصاعد اللاأمن و شعوري بالخطر ليس تخيلا أو بهتانا من نفسي) و اقتناعي بعدم جدوى مواصلة النضال الإعلامي في تلك الظروف القاهرة، قررت مغادرة الوطن مجبرا لا بطل!، بالرغم أني تلقيت عرضا من قبل (جهة ما لقيادة مشروع إعلامي جديد مستقل في شرق البلاد، إلا أنني في لحظة “عقلانية” ضربت أخماسي في أسداسي، وقررت عدم إعادة تجربة فاشلة مسبقا، إذا قررت الاستقلالية التامة وألا أغيّر قناعاتي ومبادئي ونظرتي للأمور العامة السائدة آنذاك، فقذفت بنفسي إلى مستقبل مجهول و ثقافة لا أتقنها و لا أعرف تفاصيلها الحقيقية و ليست لدي أي معطيات عملية عدا معلوماتي كأي جزائري التي يستقيها من خلال شاشات الفضائيات الأجنبية. حتى حكاية خروجي من الوطن لم تكن بالسهلة، بل تفاجأتُ في قاعة الانتظار في مطار قسنطينة بقرار منعي من مغادرة الوطن.. و لم أستطع عمليا و لا إداريا كشف أو معرفة الجهة التي كانت وراء توزيع نشرية منعي التام من مغادرة الوطن، فلو لم تكن لديّ بعض الاتصالات في مساعدتي في اجتياز الحدود البرية الجزائرية التونسية والسفر أخيرا من مطار تونس إلى العاصمة الفرنسية لبقيت أصارع هذا المنع إلى ما نهاية من الزمن و تدفن آمالي وأحلامي و طاقاتي كما حدث للبعض للأسف الشديد!.

للإشارة، فإن ” أمرية منعي ” هذه دامت 20 سنة، معناه نصف عمري الذي قضيته في المهجر ولم أستطع لا أنا ولا الجهات المتعددة القانونية التي مثلتني من الوصول إلى صاحب هذه ” الأمرية”، و لا الأسباب الموضوعية التي حرمتني من حقوقي الدستورية الوطنية طيلة 20 عاما!.

 

  • *كنتم من المؤسسين لمنظمة الصحفيين الأفارقة في المهجر، كيف تقدم لنا المنظمة وماهي أهدافها، وهل حققت حلم الصحفيين الأفارقة المشترك؟

 

تجربة ” الصحفيون الأفارقة في المنفى “، كانت فكرة مشتركة بيني و بين صديق حميم كاميروني، و هو صحفي و نائب رئيس تحرير الصحيفة الساخرة الكاميرونية المعروفة أنذاك، وهو السيد ” أيوم نجانجي”.

كان ذلك في الأشهر الأولى من التقائنا ببعض في باريس، والهدف الرئيسي منها هو مساعدة الوافدين الجدد من ” الأسرة الإعلامية” من أصول إفريقية، و مساعدتهم في التوجيه والإجراءات الإدارية وما شابه ذلك لتجنيبهم المعاناة والصعاب المترتبة عن طلبات الوثائق الرسمية و ترخيصات العمل والبحث عن شبكات ومنظمات تعمل في هذا السياق للاستفادة من بعض الدعم لإنجاح مشروع إدماجهم، خصوصا هؤلاء الذين ليسوا بفرانكفونيين .. بالرغم أنها منظمة غير حكومية، كانت ذات طابع دولي تهتم أساسا بالصحفيين الأفارقة، إلا أننا استقبلنا ووجهنا عددا لا بأس به من الصحفيين القادمين من الشرق الأوسط كاليمن مثلا، الغاية هو مساعدة أي صحفي رمت به ظروف بلاده إلى المهجر ولا يمتلك أهم مفتاح لإنجاح عملية اندماجه بشكل شبيه بالطبيعي، اللغة ثم القدرة على تشفير العادات والتقاليد والقوانين في البلد المضيف.

أهدافها كانت كبيرة جلها تعمل من أجل تحسين ظروف هؤلاء وتوجيههم توجيها سليما حتى يتمكنوا من الاستقلالية في مواصلة مشوارهم وبدء حياة جديدة بعيدا عن أوطانهم وأهاليهم، و هذا لا يتأتى إلا باندماجهم العملي، التي أهم التحديات التي تواجه أي مثقف وصحفي لا يمتلك ثقافة هذا البلد.. و كل ما كنا نخشاه هو انحرافهم عن رسائلهم التي دفعت بهم إلى حرمانهم من أعز ما كانوا يملكونه، أي أمام انسداد فرص العمل كصحفيين و إعلاميين يضطرون إلى قبول أي عمل لمجابهة الحياة وسد حاجياتهم، خصوصا إذا كان الصحفي المعني مصحوبا بأسرته أو بزوجته فهو أكثر عرضة لقبول أي عمل “دون مستواه”، ثم يتورط في دوامة الروتين والاستسلام لمتطلبات الحياة .. ثم دون أن يشعر مع مرور السنوات يجد نفسه إنسانا آخر من دون آفاق مهنية تناسبه ويستمر في الجري وراء معركة العيش دون سواها!، لهذا انتبهنا إلى هذا الأمر الخطير، حيث قد ينجو بحياته الصحفي الهارب من بطش نظام شمولي ديكتاتوري ما، لكنه مقابل ذلك يخسر قدراته وإمكانيته، وتتم مشاكل العيش في المهجر أو المنفى بتفريغه من معناه ومسخ ومسح المبادئ التي درس وناضل من أجلها في وطنه الأصلي ..لهذا أسسنا هذه المنظمة “الصحفيون الأفارقة في المنفى” لتقليص هذا النزيف وهذا التبذير والتبديد الفكري والمهني لخيرة أبناء القارة السمراء.

أصدرنا كتابا جماعيا وقّعه نخبة من أعضاء الجمعية، أين كنت “أمينها العام والناطق الرسمي للمنظمة أمام الهيئات والسلطات الفرنسية .. ويحمل الكتاب عنوان: “كيف تتعامل فرنسا مع اللجوء السياسي ـ رسائل مرسلة إلى أمهاتنا بقين في الوطن”، عن دار ” لارماتون ـ باريس” سنة 1999، ثم أسسنا موقعا إلكترونيا للمنظمة، وتزايدت اتصالاتنا ونشاطاتنا في مساعدة وتوجيه كل صحفي تتوفر فيه الشروط، إلا أنه بعد فترة بدأنا نشعر بحصار غير “معلن” من قبل المنظمات الأخرى التي لها علاقة مع الصحافة وحرية التعبير التي يسيّرها فرنسيون، واستشعرنا نفورا واضحا من قبلهم، لأنهم اعتبرونا ” تهديدا لمصالحهم “.. بعدما اتضحت لنا فيما بعد كواليس والأهداف الحقيقية التي تدير هذه المنظمات المتخصصة. التضييق كان واضحا لكي نفشل في مشروعنا الإنساني والمهني الذي يخدم بكل صدق قضايا الصحفيين الأفارقة لمساعدتهم في إعادة بناء ذواتهم وترميمها حتى يكونوا على استعداد نفسي للعودة إلى أوطانهم عندما تتوفّر شروط ذلك، ربما كان محتوى (الكتاب) الذي أصدرناه سببا من الأسباب، لأنه يعرّي بعض النفاق السياسي والاجتماعي للفرنسيين!.

شيئا فشيئا تمّ غلق الأبواب في وجوهنا ولم نستطع مواصلة المشوار وتحقيق الأهداف التي ناضلنا من أجلها وتم تفكيك الجمعية تدريجيا، وتفرق الأعضاء وذهب كل واحد لحاله، وتوقفت منظمتنا عن النشاط بعد ما يقارب 3 سنوات من النشاط!.

حاورته : سهام حواس

 

….يتبع

 

مقالات متشابهة