4 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

نقطة ضوء

بناء العلم وصناعة العلماء ..!!

 

أ.د.عطاءالله فشار

 

مهما بلغت الأمة من قوة في عتادها وجيشها وعدد سكانها، فإنها لا تستطيع أن تخطو خطوات إلى الأمام إلا بالتعليم، والأمة غير المتعلمة تجني على نفسها حروبا وويلات وفسادا أخلاقيا وإنسانيا، ولاترتقي الأمم ولا تنهض لتكون لها حضارتها وتطوّرها دون أن ترتكز على العلم الذي هو سلاح اليوم وأمان المستقبل للمضي نحو مستقبل آمن، ومنذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان على وجه هذه البسيطة وهو يتعلّم ما ينفعه في الحياة، ويسهل له العيش فيها، فبدون العلم يصبح الإنسان كالأنعام لا ينكر منكرًا، ولا يهتدي سبيلًا، كان العلم. وما يزال من الأركان الثقافية المهمّة، ومن وسائلها المعروفة. فهو إذن جزء من حضارة الإنسان، وسيبقى ضروريا للحضارة الإنسانية إلى الأبد. ولم يجد الإنسان أفضل منه كوسيلة تعينه في التغلب على مصاعب الحياة والطبيعة، والتحكم في ظواهرها المختلفة. فالعلم هو من صنع الإنسان، ومن سعيه وبحثه الدؤوب لتحقيق احتياجاته من السكن والغذاء والكساء والنقل والدواء والاتصال والبريد وتكنولوجيا البناء وغيرها من الاكتشافات والاختراعات. وفي حضارة الإسلام والدين الإسلامي الذي تأسس على أول آية تدعو للعلم يبرز لنا قيمة وأهمية العلم والعالم.

فعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ يَقُولُ: ”مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاءِ، وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِيْاءِ، وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ”. (رواه أبو داود والترمذي).

إن الله لم يقصر الأجر على العلماء في حياتهم، بل امتد الأجر بعد موتهم وإلى قيام الساعة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ”إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ” (الترمذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)، ونستحضد هنا قول الإمام الشافعي رحمه الله: قد مات قوم وما ماتت مكارمهم……………وعاش قوم وهم في الناس أموات

نعم إنها الحقيقة فيموت العلماء ولكن يبقى أثرهم ويتركون بصمتهم وما أجمل قول سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه:

ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم ……………..على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ………………والجاهـلون لأهل العـلم أعداء

فـفـز بعلم تعش حيـاً به أبــدا……………. الناس موتى وأهل العلم أحياء

ونضيف لهذا القول قول الشاعر:

إنَّ المُعلِّم والطَّبِيبَ كِلَيهِما ………………….لا يَنْصَحانِ إِذا هُما لَمْ يُكْرَما

فاصْبِرْ لِدائِكَ إِنْ أَهَنْتَ طَبِيبَهُ ……………….وَاصْبِرْ لِجَهْلِكَ إِنْ جَفَوْتَ مُعَلِّماً

إننا ونحن اليوم نتوجه نحو جزائر جديدة فإن أولى أولوياتنا يجب أن ترتكز على تعليم العلوم المختلفة التي تبنى بها الأمم وترتقي بها لمصاف الدول الراقية وعلينا أن نهتم بصناعة العلماء في شتى الميادين ولن يتأتى ذلك إلا بوضع تصور بعد تشخيص الخلل في منظومتنا التربوية والتعليمية لنرسم إستراتيجية واضحة لبناء العلم وصناعة العلماء فهم بناة الحاضر وأمان المستقبل وسر الوجود وهم القادة الحقيقيون قبل الساسة. ورحم الله الشيخ العالم الجهبذ عبد الحميد بن باديس وأصحابه العلماء في ما قدمه للجزائر من نشر العلم وبناء الإنسان الواعي وتفكيك الانحباس الحضاري وتشخيصه، وكان من ثمار تحرير الأرض والعرض والإنسان من قيود الاستعمار والاستعباد وحاجتنا اليوم لرجال أمثال ابن باديس ولكن لمقتضيات حال اليوم ومتطلبات العصر الحاضر والنظر في احتياجات الأمة لصناعة علماء وبناء منظومة تفرز لنا قادة في العلم يواجهون مشكلات العصر اليوم.

مقالات متشابهة