30 مايو، 2020
الحوار الجزائرية
أراء مساهمات

“خواطر في ذكرى الوفاء”

“خواطر في ذكرى الوفاء”

بقلم: عبد القادر بن قرينة

في ضوضاء المعارك التـي تخوضها دول وشعوب العالم ضد واحدة من أخطر الأزمات العالمية على الصحة والأمن والاقتصاد.
يستذكر الشعب الجزائري ذكرى رائد نهضتها العلمية الحديثة، وحارس قيمها الأصيلة، العلامة الملهم والموهوب عبد الحميد بن باديس رحمه الله تعالى.
الذي تزداد اليوم حاجتنا وحاجة ناشئتنا الجديدة إلى النهل من معين هذا الرائد الذي نبه إلى شروط النهضة الحقيقية التـي على الشباب أن يرفع التحدي لكسب رهانها بالعلم والمعرفة، كما علـى مؤسساتنا الفاعلة استلهام روحها لمواجهة الأخطار والأزمات، بالاعتماد علـى الذات والتكامل بين كل مكونات المنظومة الوطنية وتصحيح أخطاء المسار المشوه والإرادة المستلبة والثروات المنهوبة.
فالمشروع الوطني اليوم ليس هو إلا ذلك المشروع النوفمبري الملتحم مع الباديسية الذين أسسا للدولة الجزائرية الثوابتية المستقلة ذات السيادة.
وإذا كان حراك الشعب الجزائري قاده الشباب الطامح لاسترجاع سيادته وهويته، فقد أثبتت الأحداث أن هذا الحراك قد تجدد فيه هو أيضا التلاحم بين الباديسية والنوفمبرية، والتلاحم بين قوة الشعب وقوة جيشه.
وعليه فإن الدرس المستمر الذي لا ينبغـي أن ننساه هو أن الدولة الجزائرية كانت قبل سنة واحدة على شفا الانهيار، لولا أن الله حرسها بوفاء جيشنا الشعبي الوطني الذي حماها من الانزلاق، وبوعي شعبنا الحر الذي انتفض في حراك الملايين وأوقف مسار التفتيت ومشاريع الفَدْرَلَة، ورجعت البلاد إلى مسار الجزائر الجديدة.
واليوم ونحن أمام أزمة الوباء العالمي تتجدد عندنا إرادة التلاحم وتتكشف عندنا جماليات قوة التضامن الوطني التي تؤمن حاضر الوطن وتضمن العبور نحو غد ديمقراطي نسعى جميعا لتحقيقه، من خلال تنمية حقيقية لا تتكرر فيها حالة الخوف ولا حالة الارتباك ولا حالة الفساد التي فرضها الوباء لولا رحمة الله تعالى ثم وعي المواطنين وحزم المؤسسات.
إن حركة البناء الوطني تقف وقفة إجلال أمام ما أنجزه الشعب الجزائري العظيم في هذا الظرف العسير؛ ونحن نرى شعبنا يضرب من جديد أروع الأمثلة للعالم في تصديه لهذا لوباء بصبر وباجتهاد مستيقنا بالله، ومدركا أن مع العسر يسرا أن مع العسر يسرا، ومعبرا عن روح عالية من أمثلة التضامن والالتزام والوعي، على كل المستويات ومن طرف كل الفئات كبارا وصغارا شيبا وشبابا رجالا ونساء.
– فإننا بهذه المناسبة نحيي شباب الجزائر الذين رسموا عبر كل المدن والولايات أجمل لوحات التضحية من خلال قيادة المبادرات المحلية للتضامن، والتعاون مع المؤسسات، والتحرك وسط الناس لنشر الوعي وتوزيع التبرعات على مستحقيها خصوصا أولئك الذين أعجزهم المرض أو منعهم الحياء عن مد أيديهم إلى الناس.
– كما نحيي رجال ونساء المجتمع المدني المفيد وليس المستفيد الذين لم تنقطع مساهمة مجتمعهم المدنية الإيجابية في كل الظروف بل كان دائما حاضرا ليخفف من معاناة المواطنين ويصنع الجسر الآمن لنقل التبرعات من المحسنين ليردونها على الفقراء والمعوزين في ظل الكرامة والاحترام.
وبهذه المناسبة نثمن الدور المهم الذي أداه المجتمع المدني والذي يتطلب منا جميعا أن ندعمه وأن نشارك معه لإنجاح كل مبادراته الخيرية عبـر لجان الأحياء المختلفة وتنظيم الجهود والبحث عن العائلات المحتاجة للقيام بالواجب نحوه.
ولا بد على الجميع أن يدرك أهمية تثبيت هذا الدور مستقبلا، لأننا سنواجه لاحقا أزمات اجتماعية تحتاج مجتمعا مدنيا قويا وفاعلا يحوز ثقته من المجتمع كله ومن المؤسسات الرسمية لأداء دوره الحضاري المطلوب، ولعل هذه الأوقات ستتيح الفرصة السانحة لتطهيـر المجتمع المدني من الانتهازيين ومن الموسميين ومن جمعيات لجان المساندة التي فرّخت بيضها في زمن العصابة.
– كما نجدد التحية مرات تلو المرات لكل أطقم الأطباء وعمال الصحة الذين نعتذر لهم بشدة عن أي تقصير، وندعوا إلى ضرورة التكفل بعائلاتهم، وتوفير كل الوسائل المساعدة لهم، وندين بشدة أي تصرف يمس بمشاعرهم أو يعرقل مهامهم النبيلة في الدفاع عن أمن الجزائر الصحي الذي هو جزء لا يتجزأ من أمننا القومي، ولعل من المناسب الدعوة إلى التعجيل بسن قانون خاص ينضم قطاعهم ومهنتهم النبيلة بما يوفر لهم كرامتهم وإمكانات العمل حتى نوقف نزيف هجرة الكفاءات إلى ما وراء البحار.
– كما نحيـي كل الخيرين والصادقين في السلطة وفي المعارضة الذين أبقوا على المواطن آمنا في غذائه وطعام عياله ووقفوا في وجه المضاربين والمقتاتين على الأزمات، حاشا أبناء الجزائر الشرفاء من التجار الجزائريين الذين أدركوا أن بلادهم التـي خرجت من دولة النهب إلى جزائر الجديدة تحتاج الآن إلى الرحمة والتراحم فلم يضاربوا بل خفض بعضهم الاسعار إعانة وتضامنا.
كما نُشيد في هذا الصدد بكل الجهود الشعبية والرسمية في منع المضاربات بالرغم من أننا لا نزال نطالب الحكومة بصرامة أكثـر في تجاوز تركة الماضي وحماية الأمن التجاري عبر تفعيل المراقبة الرسمية والشعبية لتأمين حركة ووجهة السلع كما ندعوها إلى مساعدة المستوردين لاحتياجات المرحلة من دواء ومواد صيدلانية وغيرها احتياطا لاستمرار الأزمة وطول مدتها.
– كما نبارك كل دينار دخل إلى حملة التضامن الوطني فدخل به السرور على المحتاجين وتعمّق به في نفوسهم روح الانتماء لهذا الشعب وروح الوطنية الصادقة لأن الأزمات تكشف دائما عن مظاهر الوطنية الصادقة، وتفوتت الفرص على المتربصين.

أيها الجزائريون والجزائريات:
إن الجزائر ستظل فخورة بأبنائها جميعا لأن الأزمات لا تهزمهم بل تعمق لديهم لحمة الإخاء وتمتن فيما بينهم آصرة الوطن، وترفع عندهم مستويات اليقظة والوعي العام.
وإن هذا الوباء مثل غيره من الأزمات سينتهي بحول الله بعد حين، وسنقصر معًا عمره بالتزامنا الفعال وبتجندنا وتضامننا وتحديد أولوياتنا وتوسيع التعاون بيننا وتأجيل كل خلافاتنا لنخرج حقيقة نحو الجزائر الجديدة التي ستثقلها تبعات الأزمة ولا بد لها من رؤى أعمق، ومن تصورات أوسع، ومن حوارات لا تنقطع، واستعداد صادق لبناء مؤسسات لا تربكها الأزمات ولا تهزها التحولات.

  • أيها الجزائريات والجزائريون الأحرار:
    – إن ما بعد أزمة كورونا سيفرض على كل الشعوب والدول انعكاسات أزمة عالمية قادمة لن ينجو من شظاياها أي شعب ولا أي دولة، ومن هنا يجب على خبرائنا تقديم اقتراحاتهم، ويجب على أحزابنا تفعيل مساهماتهم، مثلما يجب على المؤسسات الاستعداد للطوارئ وتحضير لكل البدائل التي تسعد المواطنين وتحمي الوطن.
    ونذكر أننا من جهتنا في حركة البناء الوطني باعتبارنا جزء أصيل من هذا الشعب قد أنشأنا منذ حلول أزمة هذا الوباء ” لجنة وطنية” مهمتها متابعة تطورات جائحة كورونا لا سيما ما تعلق منها بالإجراءات المقترحة لمواجهتها، وبرصد تأثيراتها الوطنية والدولية.
    لأننا نعتقد أن الجزائر ما بعد الأزمة ستدخل إلى وضع جديد بتحديات جديدة وبدستور جديد وبمؤسسات جديدة وبإجابات جديدة عن أسئلة التنمية والاقتصاد والعمل والمواطنة والتحالفات الخارجية، وسنكتشف حينها جميعا من هم حلفاء الجزائر في الشدة والرخاء، ومن هم خصومها، ومن هم المقتاتون من أزماتنا والناهبون لثرواتنا.
    وفي الختام لا بد من القول : إن شهر رمضان المبارك على الابواب وهو شهر سيجعل تضامننا في أعلى مستوياته، لأنه شهر الرحمة وشهر الفضيلة الذي يشعرنا بأمل كبير في أن الله تعالى ينزل فيه مقادير من رحمته على وطننا و أمتنا جمعاء، ويرفع بها عنها نقمة هذا الوباء لنبدأ معا سيرنا في طريقنا نحو الجزائر الجديدة التي تحتاجنا جميعا، يدا واحدة نتصارح ونتصالح، ونثق في المستقبل ونجدد الوفاء للشهداء يرحمهم الله ونحس بآلام كل جزائري، ونثمن جهد كل المخلصين وعلى رأسهم أولئك المرابطين على الدوام على ثغورنا الوطنية صابرين محتسبين تضحياتهم من أجل أمتهم.
    أخوكم عبد القادر بن قرينة
    رئيس الحركة
    الجزائر في 15 أفريل 2020

مقالات متشابهة