10 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
اخبار هامة الحدث وطني

تضامن واسع مع مسلمي كندا واعتراف بتنامي العنصرية في الغرب

 بقلم: محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا

 كتبت منذ شهر للمرة الثالثة، مقالا مطولا حول استقرار المسلمين في كندا، وليس “اندماجهم أو إدماجهم” مقارنة بحال المسلمين في فرنسا وبعض الدول الغربية، حيث سمحت ظروف الديمقراطية بدخول كوكبة من المهاجرين العرب والمسلمين ليس فقط قبة البرلمان بكل حرية وأحقية، بل أشّرت إلى دخول مسلمة وعربي إلى سدة الحكم و في أعلى هرم القرار السياسي في الحكومة الفدرالية الكندية بمناصب وزارية، وعنونت يومها مقالي ” لأول مرة في تاريخ كندا، لاجئ من أصل عربي وزيرا في حكومتها”، متسائلا في المقال ذاته بقولي ” تخيّلوا لو أن الصومالي أحمد حسين هاجر إلى الدول العربية، هل يصبح وزيرا؟”، وكان ذلك إثر الفوز الكاسح للحزب الليبرالي الكندي في الانتخابات البرلمانية على حزب المحافظين الذي تربع في العشرية الأخيرة على المشهد الكندي، وأشرت إلى أن أحد أسباب فوز الحزب الليبرالي هو معارضته لسياسة تخويف الكنديين من الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) التي انتهجها حزب المحافظين بقيادة رئيس الوزراء المغادر ستيفن هاربر، مثل تشديد الإجراءات الأمنية ومنع استخدام المسلمات للنقاب في المحافل العامة، وفي هذا المعنى استشهدت بما قالته “لوس أنجلوس تايمز” في افتتاحية لها، إن ترودو رئيس الحكومة الحالي، وصف موقف هاربر من “النقاب أو الزي الإسلامي” بأنه “لا يليق بشخص يتولى منصب رئاسة وزراء كل الكنديين”، وكذا مشاركة كندا يومها في الحملة الجوية الدولية في سوريا والعراق، ضد “داعش والجماعات المتطرفة” وسياسته التي لا تأخذ في الاعتبار تعدد الثقافات ومصالح كل الكنديين. وتطرقت بعض الصحف الكندية إلى ما وصفته بالأسلوب “العدائي والإقصائي” لحزب المحافظين وتركيزه على الحلول العسكرية واستقطابات الحرب الباردة، مقابل الرؤية الإيجابية والمتفائلة لليبراليين بقيادة الرئيس الجديد للحكومة، الشاب جاستن ترودو ..

  • الأسلوب العدائي والإقصائي يروّع كندا الآمنة ويحصد أرواحا بريئة

 

وهاهو “الأسلوب العدائي والإقصائي” نفسه، يروّع كندا الآمنة ويحصد أرواحا بريئة كانت تتبتل في بيت الله مطمئنة.. حيث قتل ستة أشخاص بدم بارد وجرح تسعة آخرون مساء الأحد، كانوا يؤدون صلاة العشاء في مسجد المركز الثقافي الإسلامي بمدينة كيباك الكندية، والقتلى هم الأستاذ الجامعي، البروفيسور خالد بلقاسمي، والمختص في الإعلاميات، حسان عبد الكريم من أصول جزائرية، والصيدلي التونسي بوبكر الثابتي، والمغربي عز الدين سفيان دكتوراة في البيولوجيا وصاحب محل تجاري ومجزرة لحوم الحلال، والكنديان الغينيان مامادو تانو باري وإبراهيما باري.. معهم مصلين آخرين، أصيب جميعهم برصاص أطلقه الكندي من أصول فرنسية، ألكسندر بوسينيت، الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف.. هذه المأساة خلَّفت أزيد من 17 يتيما، وتثير عموما بعض الخوف لدى المسلمين الذين يبلغ عددهم أزيد من مليون نسمة من أصل 36 مليونا من سكان كندا.

  • رئيس الحكومة: “هجوم إرهابي على مسلمين”

وفي أول ردود الفعل على الهجوم، وصف رئيس الوزراء، جاستن ترودو، العملية بأنها “هجوم إرهابي على مسلمين”، قائلا “ندين هذا الهجوم الإرهابي على مسلمين في مركز عبادة ولجوء”، وقال في تغريدة على تويتر “إن الكنديين يبكون ضحايا الهجوم الجبان على مسجد في كيباك.. أفكر بالضحايا وعائلاتهم”. كما قال رئيس حكومة إقليم كيباك، إنه يدين العنف ويعلن وقوفه إلى جانب المواطنين المسلمين، وأضاف فيليب كويار، في أن حكومته “تحركت لضمان الأمن لسكان كيبيك”، بينما طلب النائب جويل لايتباوند، من عائلات الضحايا ومن المسلمين الصفح، وقال “إنني تابعت في السنوات الأخيرة نبذهم وإدانتهم ورأيت الخوف والحذر والكراهية”، معتذرا عن تقصيره في حق زملائه المسلمين الذين تعلم وترعرع معهم، بل تعلم على أيدي بعضهم، بل سكوته على بعض تصرفات أصحاب اليمين المتطرف، مضيفا “إذا كانت للكلام عواقب فللصمت أيضا عواقب”، كما استنكر مجلس كنائس مقاطعة كيباك الهجوم الذي استهدف المصلين في المركز الإسلامي.

 

  • التلفزيونات الكندية الرسمية واكبت الحدث إلا “قناة العرب”

 

أما التلفزيون الرسمي وبمختلف القنوات التابعة له كانت مع الحدث قلبا وقالبا، ما عدا القناة العربية التلفزيونية الوحيدة في كندا المسماة “الجالية” ذات نوعية البث التقني الرائع، هي الوحيدة التي استمرت في غيّها ببرامج التهريج والغثائية، وليس فقط متناسية الحدث، بل مررت أفلاما عربية لا تليق بمقام الحدث ولا بسمعتها كقناة عربية وحيدة تبث من كندا.. أما التلفزيون الرسمي الكندي بكيباك، فقد خصص طيلة الأسبوع إضافة للنقل المباشر لعمليات التأبين الرسمية، خصص حصة يرد فيها على المغالطات التي تلوكها بعض الألسن والأبواق المغرضة عن المسلمين في الغرب خاصة الأبواق الفرنسية، وصحح هذا البرنامج مفاهيم مغلوطة، بأسئلة وأجوبة محددة مكتوبة في بث مباشر، نقلت حتى على يوتوب، منها على سبيل المثال لا الحصر:

ما الفرق بين العربي والمسلم، وهل هما سيان؟، الجواب: لا، الإسلام في بداية تاريخه كان ديانة أغلبية العرب، أما اليوم فالعرب لا يمثلون إلا 20% فقط من عدد المسلمين.

بعض الناس يقولو ن إن كندا “غزاها أو استعمرها ” المسلمون بكثرة توافدهم على ترابها، هل هذا صحيح؟، الجواب: لا.. لأن نسبة المسلمين في كندا لا تتعدى 3.2 %، بينما في فرنسا تزيد عن 7.5%.

– س : هل كل إرهابي مسلم، وهل العمليات الإرهابية قام بها مسلمون؟، الجواب: لا.. لأن آخر الإحصائيات لعام 2015 في أوروبا وحدها، تبين أن مجموع العمليات الإرهابية هو 211 عملية، سواء كانت ناجحة وأخفقت، وإن الاحصائيات الرسمية تقول إن 65 منها قامت بها مجموعات انفصالية غير إسلامية، و17 من هذه العمليات فقط قامت بها مجموعات إسلامية راديكالية، و 13 قام بها اليسار المتطرف.. (!).

  • هؤلاء الضحايا اختاروا كندا لتحقيق أحلامهم بدل البقاء في بلدانهم

 

كما نقلت وسائل الإعلام، تلاوة آيات من القرآن الكريم بترجمة فرنسية تقريبية، وسط حشد صامت في مركز المؤتمرات الدولية بكيباك، في قاعة كبيرة للغاية، وهي بمثابة ملعب كبير ضم أتباع كل الديانات مسلمين ومسيحيين ويهودا، تبعتها مراسم التشييع التي طبعها التأثر والتأكيد على الوحدة بين الأديان، وشارك فيها أزيد من خمسة آلاف شخص، وقد حاولت من جهتي رفقة بعض الإخوة، متابعة التغطية الإعلامية في الجزائر وتونس، لما وصلتهم جثامين رعاياهم، فوجدت أن الأمر كأنه لا حدث، مقارنة بالذين دفنوا في كندا معززين مكرمين أمام عناية سلطات كندا والجالية المسلمة رجالا و نساء محجبات و غير محجبات، وهنا يمكننا الجزم بصدق رئيس بلدية كيباك لما قال ” إن هؤلاء الضحايا، اختاروا كيباك لتحقيق أحلامهم”، اختاروا كندا بدل البقاء في بلدانهم التي ولدوا فيها، فالحلم قد يصبح حقيقة لما يهاجر المسلم، مضيفا أن “هؤلاء الضحايا كنديون مثلي وعلى كندا أن ترد لهم الجميل، متعهدا بأن يفتح لهم عاجلا مقبرة خاصة بالمسلمين، بعد أن رفض لهم هذا الطلب منذ سنوات خلت من قبل الحكومات المتعاقبة السابقة..

 

  • حماقات ترامب تحوّل المسلمين من «إرهابيين» إلى ضحايا

لاحظ العديد من المتابعين لهذا الحدث، أنه فعلا لم يحظ المسلمون بتعاطف دولي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 مثل الذي يحظون به اليوم في أنحاء متفرقة من العالم، فقد حوّلت أحزاب اليمين المتطرف عبر العالم وحماقات الرئيس ترامب الخاصة بالقرار التنفيذي بمنع دخول المسلمين من سبع دول إسلامية إلى ضحايا تعاطف معهم الملايين حول العالم، ولأول مرة تمتلأ المطارات الأمريكية بمتظاهرين من كل جنس جاؤوا يرددون هتافات مرحبة بالمسلمين، وهذا أمر لم يكن أحد يجرؤ على القيام به منذ أحداث سبتمبر.

 

  • تعميم وصف المسلمين بالإرهاب أمر لم يعد مقبولا من اليوم

وأهمية هذا التحرك المتعاطف مع المسلمين في أنحاء مختلفة من العالم، أعطى إنذارا لليمين المتطرف الذي ترتفع أسهمه في أوروبا، وأن وصف المسلمين المطلق بالإرهاب أمر لم يعد مقبولا لأنهم أصلا هم ضحايا لسياسات الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة في بلادهم، ولولا جرائم الدول الكبرى في تلك البلاد ما اضطر هؤلاء للخروج من بلادهم والبحث عن مكان آمن.

لو أنفق المسلمون المليارات قصد استعطاف الغرب ما استطاعوا

بهذا العنوان كتب زميلنا أحمد منصور، الإعلامي المصري ” المنفي في جزيرة قطر”، معلقا على هذه الحالة، بقوله ” لو أنفق المسلمون مليارات الدولارات من أجل استعادة تعاطف الغرب معهم كما يحدث الآن ما استطاعوا”، وقد كان مجرد الحديث باللغة العربية على ظهر طائرة أو في مكان عام في الولايات المتحدة قبل أيام من هذا القرار كفيلا بأن يضع صاحبه تحت طائلة الشكوك بأنه إرهابي. الآن يرفع الآذان وتقام الصلوات في كل مطارات الولايات المتحدة ويقف غير المسلمين يشاهدون بإعجاب من يؤدون الصلوات ممن كانوا يوصفون بالإرهاب بالأمس معلنين تعاطفهم معهم. النقطة الأساسية هي كيف يستفيد المسلمون من هذا العطاء الرباني لهم ويستثمرونه بشكل يعيد لهم ولدينهم المكانة التي يستحقونها سواء في الغرب أو الشرق؟”.

شهداء عند ربّهم يرزقون

عموما في مثل هذا الظرف العصيب الذي تمر به جاليتنا في الغرب، لا يسعنا إلا أن نتقدم بتعازينا الحارة لجاليتنا المسلمة في كندا ولأسر الضحايا كافة، وللشعب الكندي المضياف، مع تمنياتنا بالشفاء العاجل للمصابين، داعين الله تعالى أن يلهم الجميع الصبر والسلوان، ويتغمد الشهداء بواسع رحمته، وأن يجازيهم خير الجزاء عما قدموه للإسلام والمسلمين طيلة حياتهم المليئة بالمآثر في ديار الهجرة المزدانة بالابتلاءات، و” إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ”.

مقالات متشابهة