10 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
وطني

عمود في الميزان…فارس ترجل

زين الدين بن مدخن

هو أحد أبرز مؤسسي المدرسة السياسية الحديثة للوسطية والاعتدال، أمير الفصاحة ومبدع المصطلح السياسي بلا منازع، أثرى القاموس السياسي بمصطلحات على بساطتها كانت في مدلولها من العمق- بحيث أحدثت الفارق وكرست التمييز، هو الشوراقراطي الذي ظلم حيا وأنصف ميتا.
عندما اختلف الإسلاميون والديمقراطيون كل يخطئ غيره، بين قائل الديمقراطية كفر وقائل برجعية الشورى، زاوج بين هؤلاء وأولائك فابتدع مصطلح الشوراقراطية في دمج بليغ بين الشورى كنظام للحكم في الإسلام والديمقراطية كآلية حديثة لأنظمة الحكم.
الشيخ محفوظ نحناح فارس الهيجاء بلا سلاح زاده الإيمان وحب الوطن وسيلته الحوار بالتي هي أحسن وهو القائل أنا مستعد “للحوار حتى مع الشيطان” عندما تبجح البعض في استعلاء وغرور كيف يتحاور الفيل مع الفأر.
جهر بالإدانة لكل أعمال الإرهاب والقتل عندما خرست ألسنة – رغبا أو رهبا- فأحسن توصيف المجرمين القتلة عند وصفهم بـ “الخنجريست والشوقاريست” نسبة للخنجر والشاقور وعندما أحس بمخطط تقسيم الوطن دعا إلى “كومندوس وطني” يحمي الوطن ويصون الوحدة الوطنية ممثلة في التاءات الأربع “من تبسة إلى تلمسان ومن تيزي وزو إلى تمنراست” من أجل جزائر “واحدة موحدة وموحدة”.
اختبر في صبره وامتحن في صدق وطنيته عندما زورت أولى انتخابات رئاسية تعددية في الوطن العربي حيث شارك فيها مرشحا في 16 نوفمبر 1995 فصمد وصبر “لأن الجزائر فوق الرؤوس و الرؤساء”.
وعندما حرم حقه في الترشح سنة 1999 لحجة واهية، كظم غيضه وصبر لأنه كان يرى مصلحة الجزائر أولى من مصالح الأشخاص وأن حماية أمن الوطن وصون الوحدة الوطنية فريضة شرعية تسقط دونها كل المصالح الشخصية وهو الذي كان يدعو “لا للصوملة و لا للأفغنة”، كان رحمه الله دمث الخلق سمح الطباع لا تفارق البسمة محياه، لكنه يزمجر كالأسد الهصور إن انتهكت الحرمات واعتدي على الدين والوطن واللغة العربية.
نحن أبناؤه كنا نرى فيه الأب الحنون والمعلم النبيه والصديق الكتوم يوزع صداقاته ومحبته بيننا جميعا، فلا يضيق برأي مخالف أو وجهة نظر مغايرة.
قلت له ذات مرة وقبل إعلان المشاركة في الانتخابات الرئاسية لسنة 1995 “يا شيخ كيف نكون أول من يدعوا إلى انتخابات رئاسية مسبقة ثم لا نشارك فيها” فقال أحرجتنا يا سي زين الدين.
تعلمت منه أدب الإنصات واحترام وجهة نظر الآخر والبحث عن القواسم المشتركة بدل نقاط الاختلاف وتغليب المصلحة العليا على المصالح الثانوية.
عرف بشخصيته القوية التي تجمع بين صلابة الصخر ولين ورفق الأب “فالجمع بين المناقضات هي العظمة الحقيقية” فتراه يستميت في الدفاع عن رأيه وإن خالفته الجماهير العريضة، ويصمد عند أشد فترات الابتلاء كما حدث عندما نبأ باختطاف ثم اغتيال رفيق دربه الشهيد محمد بوسليماني رحمه الله على يد الجماعة المسلحة.
أسهم بفكره النزيه وفهمه العميق وإدراكه لمآلات الأمور في تحصين الكثير من الشباب من براثن التطرف والغلو، وكان له الفضل بعد الله- في تصحيح رؤى الكثير من الدعاة والعلماء إزاء العديد من قضايا الأمة بعد أن ضاقت بهم أقبية الفكر المتطرف والرأي الواحد وثقافة المواجهة فصاروا من منظري الفكر الحر المؤسس على التعايش و ثقافة الاختلاف.
لست مبالغا إن قلت إن الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله يصنف من دهاة العرب في العصر الحديث لما عرف عنه من ذكاء حاد وسرعة بديهة أخرست أعتى الدبلوماسيين فعندما سأله أحدهم- مستفزا- من قتل الرئيس بوضياف رحمه الله قال له وبسرعة البرق ومن قتل الرئيس كيندي.. فبهت الرجل.
يخشاه خصومه بقدر ما يحترمونه حتى قال عنه أحدهم عند وفاته ليس هذا وقت الرحيل “Ce nait pas le moment”، وكأن الله عز وجل حين توفاه لم يرد له أن يشهد زمن الرداءة السياسية لأنه من طينة الكبار، إذ كان مجموعة رجال في رجل عاش في الجزائر وللجزائر وبالجزائر، وهو القائل “الجزائر حررها جميع المخلصين ويبنيها جميع المخلصين”.

مقالات متشابهة