28 أبريل، 2020
الحوار الجزائرية
وطني

7معاقين من أسرة واحدة يفترشون الأرض في جحر لا يليق بالبشر

سهام حواس
لا تكفي كل المعجمات وإن اجتمعت للتعبير عن معاناة خالتي ذهبية هذه المرأة التي تكون اسما على مسمى كما يشاع عن الأسماء، بل ما رأته أعيننا داخل حجرات بيتها الضيق، كان مثالا حيا عن ضمير ميت لمجتمع ومسؤولين أغمضوا أعينيهم عن مأساة أسرة يعاني 7 من أفرادها من إعاقات مختلفة يزيدها الفقر عجزا و تعقيدا.
إسماعيل، مروان ،حنان، سامية ،وليد و نسيمة وجدوا أنفسهم بحكم مرضهم العقلي يتقاسمون مساحة صغيرة جدا في بيت فقير، لا معيل لهم سوى أم تجاوزت الستين من العمر لم تعد قادرة على العمل، لم يكونوا خلال حديثهم معنا عنيفين ولا عدوانيين، بل كانوا في غاية الهدوء يبتسمون لآلة التصوير وكأنهم يحاولون نقل صورة عن براءة توقفت فصولها في الرابعة من عمرهم، عن إعاقة كسرت حلم والدتهم في رؤيتهم كباقي الأطفال.
استقبلتنا حنان إحدى بنات خالتي ذهبية بعيون خضراء وابتسامة جميلة لم تستطع إخفاء معاناة أسرة بأكملها، طلبت منا أن نأخدها للطبيب فهي تعاني من آلام في بطنها وكليتها، كما طلبت منا أن نلتقط صورا لها رفقة شقيقها الأكبر، صدمة الصورة جعلتنا نصمت ونتركهم يتحدثون، لم نكن نعتقد ولو لوهلة أنه وبالقرب من العاصمة توجد أسرة جزائرية تعيش هذه المأساة الكبيرة، فالبيت الذي يحوي أطفالا مختلين عقليا وشابين كفيفين لم يغادرا البيت منذ سنوات، بيت لا يمكن لأي إنسان أن يعيش فيه لدقائق محدودة، ولا يمكن لبشر أن يتحمل الرائحة الكريهة المنبعثة من زواياه الضيقة، فجميع الأبناء المصابين بتخلف عقلي يتقاسمون الغرفتين وساحة البيت مع مجموعة من الحيوانات وكثير من الخردة والملابس البالية والأكياس البلاستيكية، لم يكن عثورنا على بيت خالتي ذهبية أمرا صعبا فالمكان يعرفه جميع سكان الحي، وقد كنا برفقة عمي محمد جار الأسرة الذي أراد أن يوصل معاناتهم إلى المحسنين والمسؤولين علّهم يجدون لقمة كريمة تقيهم ذل التسول، وهم في هذه الحالة الصحية والاجتماعية المزرية .
ابتسامتهم عرّت عورة المجتمع وتخاذل المسؤولين، تفاجئنا عند ولوجنا إلى بيتهم الصغير في منطقة أولاد الحاج بالكاليتوس بالعاصمة أن البيت يحوي بين جدرانه معاناة أفضع وأشد قسوة مما تداولته ألسنة الجيران في هذا الحي الشعبي، فأسرة خالتي ذهبية لم تكن كغيرها من الأسر فبيت قصديري به غرفتان يتقاسمهما 8 أفراد 7 منهم مصابون بتخلف عقلي بالإضافة إلى مجموعة من الحيوانات خروف وبعض الدجاجات التي ملأ ضجيجها البيت وأم تركها زوجها المتقاعد ورحل رفقة أربعة معاقين آخرين لأم أخرى وترك السبعة الباقين يواجهون مصيرا مجهولا.
حجرتان لا تصلحان لتربية الأولاد حتى الحيوانات
بعيون دامعة وصوت متقطع تروي خالتي ذهبية مأساتها مع سبعة أبناء، شاء الله أن يولدوا ليعيشوا على هامش المجتمع والحياة، بصفة عامة لم يدخلوا مدرسة ولم يقاسموا أبناء الحي فرحة اللعب ولم يحضوا حتى بملابس لائقة تقيهم حر الصيف وبرودة الشتاء، هي مأساة لا تكفي الحروف للتعبير عنها، فمغادرتنا البيت لم تكن كافية لمحو تلك الصورة المحزنة لأسرة أنهكها الاختلال العقلي والفقر المدقع الذي تعيشه كل يوم ، ولا يمكن لمن دخل هذا المكان أن يطلق عليه اسم البيت فهو لا يتوفر على أدنى شروط المعيشة، حيث يتكون من حجرتين لا تصلحان لتربية الأولاد حتى الحيوانات، ولا ندري أين هي مصالح البلدية وجمعيات المنطقة وكيف لها أن تغفل عن مأساة بهذا الحجم، ولولا رأفة الجيران بهذه الأسرة المُعدَمة لما استطاعت أن تروي مأساتها ولا أن يسمع أحد بوجودها. تقول خالتي ذهبية إن زوجها تركها بعد أن قرر العيش رفقة زوجته الثانية والتي يعاني أطفالها الأربعة من إعاقة أيضا، وعن طبيعة الخلل الذهني الذي يعاني منه أبناؤها تقول خالتي ذهبية أن الأمر وراثي حيث يتعرض أبناؤها إلى انتكاسة مرضية واضطراب عقلي ما أن يصلوا إلى سن الرابعة أو السادسة من العمر، وقبل هذه السن يتمتعون بصحة جيدة على غرار باقي الأطفال دون أن تفهم سبب تعرض أبنائها لهذا الخلل، وكل ما قيل لها من قبل الأطباء أن المرض وراثي ولا يمكن تفادي حدوثه.
………………

رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين الجزائريين هيئة شكلية

حمّل محمد نبيل رزاق رئيس الاتحاد الوطني للمعاقين الجزائريين المجالس المنتخبة مسؤولية وجود حالات مثل هذه داخل المجتمع، حث أكد أن أسرة حمزاوي هي عينة من آلاف العينات المنتشرة عبر الوطن والتي تعاني في صمت بعد تنصل الجهات الوصية عن تقديم يد العون لهم، ويرى رئيس الاتحاد أن على بلدية الكاليتوس تقديم الدعم لأسرة حمزاوي كخطوة أولى ثم تقديم ملفاتها إلى الجهات المختصة كما طالب محمد نبيل رزاق من والدة المعاقين التقدم إلى مقر الاتحاد من أجل تقديم يد العون لهم بما تسمح به إمكانياته، ودعا رزاق من جهته المجتمع إلى مد يد العون لهذه الأسرة وغيرها من الأسر الأخرى عبر مختلف مناطق الوطن والتي اجتمع عليها المرض والفقر والإعاقة، حيث لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقوم بإعالة أكثر من معاق في الوقت نفسه وبدخل ضعيف وفي أغلب الأحوال منعدم.
…………….

… ورئيس بلدية الكليتوس يتهرب من المسؤولية

لم يرد رئيس بلدية الكاليتوس على اتصالنا، حيث ظل خطه مغلقا وفشلت جميع محاولاتنا للاتصال به والاستفسار عن وضعية أسرة حمزاوي بعد تأكيد الوالدة بأن البلدية لم تستجب لانشغالاتهم، ومن جهة ثانية رفض حسين زهوان رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان التعليق على المأساة مؤكدا أن البلدية هي من يتحمل مسؤولية أسرة حمزاوي، وكأن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق “الإنسان” لا تعنيها حالات مثل هذا، صمت زهوان وقذفه بمأساة أسرة حمزاوي في مرمى بلدية الكاليتوس يرسم صورة أخرى وقفنا عليها لتجاهل المسؤولين والمدافعين عن حقوق الإنسان لأسرة حمزاوي التي تعاني تنصل المسؤولين وتجاهلهم.
طلب هاشمي نوري المكلف بالاتصال بوزارة التضامن الوطني و الأسرة أسرة حمزاوي التقرب من مكتب الخدمات الاجتماعية لبلدية الكاليتوس، من أجل دراسة حالتها وتقديم المساعدة لكل فرد من أفراد الأسرة، وإذا تعذر عليها ذلك فيجب التوجه إلى مديرية النشاط الاجتماعي لولاية الجزائر، وطالب نوري مصالح بلدية الكاليتوس بتقديم الدعم للأسرة عن طريق مكتب الخدمات الاجتماعية الذي لن تصل إليه الأسرة دون مساعدة نتيجة جهل الوالدة بالطرق القانونية والإدارية، وتبقى أسرة حمزاوي في انتظار تحرك فعلي من قبل السلطات لانتشالها من دوامة الفقر والأمراض التي حولت حياة مجموعة من الشباب المعاق إلى جحيم لا يطاق.

مقالات متشابهة