17 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
اخبار هامة

لم أندم ولم أخجل من أي شيء كتبته

_كل مكتوب هو شهادة، وشهادة الصحفي على الأحداث لا يجب أن تكون زورا

حاورته: سامية/ح

سليمان حميش، اسم إعلامي رنان، وقلم فذ ساهم بكتاباته الجادة والمتخصصة التي تتمتع بالمصداقية إلى حد بعيد، عُرف بكتاباته التحليلية النقدية وطرحه الجاد في تناول القضايا السياسية والوطنية، فاستحق بجدارة أن يتحول إلى قدوة لأجيال من الإعلاميين.

 

*بعد قرابة 25 سنة ممارسة في مجال الإعلام تدرجت فيها بين مختلف الأقسام والمناصب في جريدة الخبر وغيرها، كيف تقيم تجربتك الإعلامية في سطور؟

التحقت بمهنة المتاعب عام 88 بعد تخرجي بشهادة الليسانس في الإعلام والاتصال من جامعة الجزائر، جئت للصحافة من باب حب المهنة وليس من باب البحث عن ” مهنة من لا مهنة له “، كما يفعل للأسف الكثير من الناس، ولعل هذا الأمر هو الذي يخلق الفارق اليوم، وحظيت كتاباتي خلال إجرائي التربص التكويني الذي كان معهد الإعلام ينظمه لطلبته في السنة الرابعة، بإعجاب مسؤولي تحرير مجلة ” الوحدة ” آنذاك، فكانت تلك البوابة لولوج عالم الصحافة، بعدها استقلت والتحقت بمجلة الوفاء ثم يومية السياسة قبل الاستقرار بجريدة الخبر، ولازلت فيها إلى اليوم كنائب لرئيس التحرير، في هذا المشوار كله لم أندم ولم أخجل من أي شيء كتبته لأنني لم أتخل عن مبادئي ولا عن قناعاتي وهذا هو الأهم .

 

*ماذا تغير في الممارسة الصحفية بين عهد الحزب الواحد وفي التعددية ؟

كان مجال الحرية في عهد الحزب الواحد  محدودا، وكانت الخطوط الحمراء كثيرة ومتعددة، ما جعل المهنة أقرب إلى وظيفة منها إلى سلطة رابعة، وكانت الرقابة الذاتية والرقابة عموما تحصيل حاصل، ولكن مع ذلك كانت هناك مقاومة من قبل الصحفيين وعدم الاستسلام للوضع، بحيث مورست علينا مرة الرقابة في جريدة الوحدة وسحبت مقالاتنا من المطبعة، وقمنا بإضراب عن الكتابة لمدة شهر وبعدها نشرنا مقالاتنا دون إمضاء، وأتذكر يومها أن حمراوي حبيب شوقي تضامن معنا، رغم أنه كان قياديا في التنظيم ، بعد ميلاد الصحافة المستقلة أوالخاصة تغيرت الأمور كليا، ومع ذلك هناك اليوم الغث والسمين.

 

*بعد أكثر من 20 سنة على التعددية الإعلامية، وعلى الرغم من الكم الهائل للعناوين الصادرة لم ينتظم قطاع الإعلام بالجزائر، لماذا برأيك؟

لمعرفة الجواب على هذا السؤال، لماذا لم ينتظم القطاع، يكفي معرفة بدقة الطريقة “السحرية ” التي ولدت بها الكثير من هذه العناوين مثل الفطريات والتي بقيت أغلبها مجرد أرقام إضافية لا تقدم أي قيمة مضافة باستثناء استهلاك الورق والحبر، كما أنه عندما ينصب على رأس القطاع وزراء لا علاقة لهم بالمنظومة الإعلامية والاتصالية، ولما يتطفل أيضا ممارسون وناشرون لا صلة لهم بالمهنة التي تحولت إلى مهنة من لا مهنة له، وفي ظل خرق كل معايير المنافسة النزيهة، فكيف لا تعم الفوضى؟. العيب ليس في الصحافيين لأنهم أثبتوا قدرتهم على التنظيم حتى في عهد الحزب الواحد، حيث كانت لهم نقابة قوية، بل هناك من يعمل على بقاء هذه الفوضى في القطاع لأنه مستفيد منها وفي مقدمتها السلطة.

 

* تعرف بصرامتك وانضباطك على الصعيد المهني، هل تنعكس شخصية الصحفي على عمله برأيك؟

الصحافة مسؤولية وأخلاق ودقة وموضوعية، وطالما هي كذلك فلا مجال للامبالاة في التعامل مع كل كبيرة وصغيرة، لأن كل ما يكتب وينشر أضحى جزءا من التاريخ وملك للبشرية لا يمكن محوه ثانية مهما حاولت، وهنا أتذكر أنني وجدت العدد الأول من جريدة الشعب في أحد المتاحف بالولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك فكل مكتوب هو شهادة، وشهادة الصحفي على كل الأحداث لا يجب أن تكون زورا، وإلا فهي تزوير الحقائق لمن يأتي من بعد من أجيال.

 

*تقلدت جائزة عمر أورتيلان في 2010، كيف تصف التجربة؟

الأكيد أن التكريم هو جزء من رجع الصدى الذي ينتظره الصحفي، خصوصا عندما يأتي من أهل المهنة، ولكن بقدر ما يكون التكريم يكون ثقل المسؤولية وراءه، فالفوز بثقة الناس ليست هي الغاية، بل كيفية الحفاظ على تلك الثقة .

 

*عاصرت المرحوم أورتيلان الذي اغتالته أيادي الإرهاب على غرار صحفيين آخرين، هل ضاعت الضريبة التي دفعها الإعلاميون في الجزائر هباء، أم أن الجيل الجديد يحصد ثمرة ما دفعه السابقون؟.

كل مجهود بسيطا كان أو كبيرا لن يضيع، طالما ظل وراءه مُطالب، وسنة الأمور تقول الأولون زرعوا ومن جاء بعدهم حصدوا والحاليون يزرعون بدورهم ليحصد الجيل القادم وهكذا، حتى وإن كنت أسجل أن تقديم التضحيات بدأ يتناقص من جيل لآخر، وهو بوابة الخطر . وما دامت الجزائر لا تعيش في جزيرة معزولة أو في كوكب لوحدها، فان الانفتاح والحرية الإعلامية ستأتي اليوم أو غدا بشرط واحد، أن الشعب لا يفرط في حقوقه، لأن حرية التعبير قضية لا تخص الصحفيين وحدهم، بل هي قضية شعب برمته، ولذلك أنا متفائل بأن اليوم أفضل من الأمس، والغد أحسن من اليوم ، فكن جميلا ترى الوجود جميلا.

 

*منذ أيام احتفلنا باليوم العالمي لحرية التعبير، حيث وصف الكثير من الإعلاميين واقع السلطة الرابعة بالأسود، هل تراه كذلك؟

زيادة على أن الصحافة عمل منهك ويحتاج إلى صبر وطول بال، وفي أحيان أخرى إلى ما يشبه المعجزة بالنظر إلى العراقيل والضغوط المفروضة سواء من قبل السلطة أو المحيط العام ككل، لكن مع ذلك، لن أضيف سرا إن قلت إن كل تلك الضغوط يمكن تخطيها من خلال حب المهنة والسعي لكسب تقدير الناس. مساهمة الصحفي في إيجاد حلول لمشاكل المواطنين خصوصا المهمشين منهم أوالذين ليست لهم ” كتاف “، هو أكثر من دافع لتحدي حقول الألغام الذي تعمل فيه الصحف.

 

 

* يكثر الحديث على أيامنا عن تعددية صورية وعن احتكار المعلومة وذل الإشهار، هل واقع الإعلام اليوم بهذه القتامة؟

رغم أن الجزائر كانت سباقة إلى الانفتاح الإعلامي في تسعينات القرن الماضي، ما كان سيجعلها على مسافة بعيدة عن الكثير من الدول خصوصا في الجوار، غير أن ذلك لم يتحقق ووقعت هناك ” ردة ” والتفاف على تلك المكاسب وتراجعا عنها، بحيث مازال الاحتكار والمساومة بالإشهار والابتزاز بالمعلومة. يقال أن التاريخ لا يعيد نفسه، وإن حدث وأن أعاد نفسه، فسيكون بطريقة تراجيدية مضحكة، هناك في الجزائر من يريد عبثا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء إلى وضع ما قبل أكتوبر 88، في وقت اليوتوب والفايسبوك وتويتر….

 

* بعد عقدين من ميلاد التعددية الإعلامية، هل ترى أن إنشاء مركز وطني لسبر الآراء في هذه المرحلة يعد ضروريا لتصحيح مسار المنظومة الإعلامية؟

لقد تأخرنا كثيرا في هذا الأمر، وكان تأخرا مقصودا وليس وليد نقص الإمكانيات، لأن هناك من يخاف من الشفافية ومن معرفة رأي الشعب. مراكز سبر الآراء في الغرب وصلت اليوم، إلى حد معرفة نتائج الانتخابات بدقة، حتى قبل الإعلان عن نتائجها بفعل التقدم العلمي والتقني، وهو من بين أسباب تأخرنا في إنشائها.

مقالات متشابهة