17 مارس، 2020
الحوار الجزائرية
مساهمات

التجربة والرهانات المستقبلية

الأستاذ: أحمد الدان

 المقاصدية إطار الإسلام السياسي في المغرب العربي

ان رؤية الاسلام السياسي في المغرب العربي كانت باستمرار رؤية مقاصدية تتعامل مع الكليات وتنظر الى المآلات وتقرأ المسار السياسي في ظل الواقعية من جهة وفي ظل مقاصد الاسلام من جهة اخرى، خصوصا وان مدرسة الشيخ الطاهر بن عاشور من جهة، ومدرسة علال الفاسي وكذلك مدرسة بن باديس رحمهم الله جميعا كانت مدارس المقاصد خلافا للمدرسة المشرقية في رؤيتها وتعاملها مع النص ومع الروح العامة للإسلام وارتباطها بمنهجية المذهب الحنبلي التي هي اقرب الى الحديث والمحدثون منها الى الفقه والفقهاء، والتي زادها جنوحا وبعدا عن المقاصدية اراء واجتهادات احمد تقي الدين رحمه الله الميال الى النص والخروج عن الالتزام المذهبي حتى في اطار الحنبلية، كما انبعث المذهب النصي مرة اخرى نهاية القرن الثامن عشر على يد محمد بن عبد الوهاب الذي ثار على الابتداع والخرافة التي عمت صحراء الجزيرة العربية ونجد بعودتها الى تاليه الاشياء في غياب وتراجع الافكار.

وللأسف استخدم تحالف قبائل نجد هذه الدعوة التي لم يستطع شيوخها حمايتها من سطوة السلطان ؛ استخدمتها سلطة القبيلة كشرعية لتثبيت حكمها أولا، ثم لإسقاط الخلافة ثانيا، واستمرت عملية استنساخ هذه المنهجية الى نهاية القرن العشرين حين اعتمد مجلس وزراء الداخلية العرب فكرة تعميم الوهابية في العالم الإسلامي للوقوف في وجه الاسلام السياسي، ولولا وزارات الداخلية العرب لما استطاعت السلفية المدخلية ومثيلاتها التغلغل في وسط الأمة الإسلامية التي بني فقهها على قواعد وأصول علمية ثابتة تنظر الى الإسلام في صورة النظام المستوعب لاحتياجات الإنسان وتطوره العلمي ولا تنفي حقائق العلم، وقد انتهت السعودية اليوم الى خطر هذه المذهبية عليها فتعمل للتخلص منها داخليا ولكنها تبقي عليها لوظائف خارجية في ساحات الصراع الفكري والاقتصادي والأمني ولا يمكن حماية الامة من تداعياتها إلا في ظل البعد المقاصدي للدين وهو منهج الشاطبي وابن العربي وأبي زيد القيرواني وبن عرفة والبرزلي والونشريسي والمغيلي والقرطبي وبن باديس وبن عاشور سلف المناهج التغيرية والإسلام السياسي في المغرب العربي.

وقد كانت مخرجات الرؤية المقاصدية للإسلام السياسي في المغرب العربي سواء في تونس او في الجزائر او في المغرب، كلها ذات وجهة سياسية مميزة في رؤيتها لمكونات الاسلام كمحدد مستقبلي او كموروث تاريخي، فالمستقبل له رهاناته التي تحتاج الى رؤية اكثر توسعا في الأشكال والمنهجيات التي يتعاطى بها الاسلام السياسي مع اكراهات الواقع وتطوراته، والموروث التاريخي تطلب استثمار القوة الروحية في التعبئة المستمرة للراي العام في كل مراحل الفعل السياسي للإسلام في المغرب العربي وما تطلبه من ممارسات العمل الثوري العسكري او النضال السياسي.

 

المقاومة تمازج الدعوة بالدولة

وكان هذا البعد واضحا في حركة المقاومة الاولى التي قام بها جيل الامير عبد القادر رحمه الله او الشيخ بوعمامة رحمه الله او الزاوية السنوسية في ليبيا والتي كانت ثورة عمر المختار جزء من مشروعها الثوري التحرري الواسع، او في مقاومة الشيخ ماء العينين رحمه الله بالصحراء الغربية.

فالأمير عبد القادر لم يكن عسكريا يخوض المعارك فقط، بل كان يؤسس لدولة مقاومة، ولذلك يعزو الكثير من محبيه تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة إليه رحمه الله بالرغم من أن تأسيس الدولة الجزائرية سابق على ذلك اكثر من القرنين عند المحققين، لكن الامير عبد القادر عكس صورة الاسلام السياسي في المغرب العربي من خلال الرؤية التكاملية بين الذكر والسيف والزاوية والجيش، وبين المكتبة والمصنع، وبين الفرد والجماعة، وغلبت الرؤى المقاصدية في عمله وحددت مسار جهاده في الجزائر ومساهماته في نشر الاسلام وحمايته عبر القلم والعلم حين اغمد سيف الحرب بعد عقدين من الحرب، ولا يزال منهجه في التوازن بين الصوفية والسلفية وبين الجهاد والعمران دليلا على فقه مقاصدي مميز

والزاوية السنوسية التي تأسست عام 1851 بالجغبوب الليبية هي التي انتجت المملكة السنوسية في ليبيا، وهي التي اخرجت نمطا مميزا لقلاع جهادية تحررية حددت في هندستها دليل وظيفتها فقد كان مقام القراءة والعلم وبيت الطلاب يجاور مركز الحدادة ومصنع الأسلحة وبجواره مركز تربية الخيول ومركز تدريب الرجال، وهي الهندسة التي بني على نمطها عشرات الزوايا في الساحل والصحراء وكانت تعترض تجار البشر وقراصنة الرقيق الأوربيين فتحرر العبيد منهم وتاخذهم الى الزوايا فتعلمهم الاسلام لتحولهم الى عناصر تحرر إفريقي في رؤية سياسية مقاصدية واضحة ومنهجية اصيلة للاسلام السياسي في بعده الرسالي الحقيقي.

يتبع..

مقالات متشابهة