17 مارس، 2020
الحوار الجزائرية
مساهمات

الولاية السادسة التاريخية.. بين أزمة الجغرافيا وأزمة القيادة 1

سليمان قاسم

لقد كانت السنتان الأوليتان لميلاد الثورة المباركة حافلتين بنشاط مكثف سواء على الصعيد الخارجي، بنشر صوت الجزائر المتحررة، أو على المستوى المحلي بتصعيد العمليات العسكرية والفدائية ضد العدو الغاشم.

ومع تغلغل القيم الثورية في الأوساط الجماهيرية وتوسع الرقعة الجغرافية للعمل النضالي، امتدت الثورة عبر كافة المناطق الاستراتيجية للوطن، ومن جملتها سلسلة جبال أولاد نايل في الأطلس الصحراوي، التي تشكل أهم النقاط المحورية في الولاية السادسة.

غير أن الزحف العارم للثورة وصعوبة الاتصال بين قيادات المناطق عبر التراب الوطني والكيد الماكر للأجهزة الاستعمارية التي قوّضت دعائمها الهجومات العنيفة لأبطال جيش التحرير، كهجوم 20 أوت 1955 بالشرق الجزائري مثلا والاشتباكات التي كان يخوضها بالجهة، كلّ ذلك وغيره فرض التفكير جديا في انتهاج أسلوب جديد، يَلُم شتات الجهود المبعثرة، ويسُنّ تنظيمًا محكمًا يكفل للثورة انطلاقة جديدة، بتوحيد قيادتها وتقنين أساليب سيرها، وقد تمخض عن هذا التفكير، انعقاد المؤتمر التاريخي المشهود الذي انعقد بالصومام يوم 20 أوت 1956، فكان أول مؤتمر لصانعي ثورة أول نوفمبر، الذي ضم معظم الوفود الممثلة للمناطق فاجتمعوا رغم الخطر الداهم عدة أيام ليخرجوا بالثورة إلى عهد الاستقرار، وتوحيد المشارب وتحديد المسؤوليات، وأصبح للثورة قيادة سياسية عسكرية واحدة هي “المجلس الوطني للثورة الجزائرية” وصار لها هيأة عليا تنفيذية واحدة هي “لجنة التنسيق والتنفيذ”.

في مؤتمر الصومام حدثت تغيرات كبيرة فرضت إعادة النظر في أمور عديدة، فلم يكن غائبا عن أذهان القادة المجتمعين ما يُعِدّه المستعمر الفرنسي من مؤامرات ودسائس تستهدف الصحراء الجزائرية، نظرا لما لها من أهمية إستراتيجية من الناحية العسكرية والاقتصادية، فمن الناحية العسكرية، فإن الصحراء الجزائرية ذات مساحة شاسعة تطل على ست دول عربية وافريقية، ووجود قواعد عسكرية فرنسية بها يعني أن القوات الفرنسية تستطيع في أي لحظة فرض هيمنتها على هذه الدول.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن اكتشاف البترول والغاز بكميات كبيرة جعل الصحراء تدخل ضمن الأسس الداعمة للاقتصاد الفرنسي الذي صار بترول الجزائر وغازها يشكلان ركنا أساسيا من أركان ازدهاره واستقراره.

انطلاقا من هذه المعطيات التي لم تكن بأي حال من الأحوال غائبة عن عقل وفكر قادة الثورة المجتمعين في الصومام، قرّروا إنشاء الولاية السادسة للتكفل بالجنوب الجزائري، واسند أمر قيادتها إلى العقيد “علي ملاح” المدعو “سي الشريف” كقائد لهذه الولاية، التي دأبت على مساعدة وتنظيم مجاهدي هذه الولاية الفتية، وقد باشر القائد الجديد تنفيذ قرارات مؤتمر الصومام، وشرع في إرساء قواعد النظام الثوري وهيكلة المجاهدين من أجل تصعيد العمل النضالي، وهذا رغم عدة صعوبات مختلفة تماما عن تلك التي واجهت المجاهدين في الولايات الأخرى.

 

الإطار الجغرافي للولاية السادسة

إن المنطقة الصحراوية كما هو معلوم يحدها من الشرق مدينة “بوسعادة” ومن جهة الشمال طريق “لاروكات” ومن الغرب الولاية الخامسة، وبالضبط المنطقة الثامنة والتي كان قائدها “لعموري” ومن الجهة الجنوبية جزء من “أولاد جلال” و”بن سرور”، والتي كان قائدها سي الحسين بن عبد الباقي والذي خلفه فيما بعد سي الحواس وذلك قبل وفاة الشيخ زيان عاشور.

الولاية السادسة وبعد التاريخ النهائي لاستقرارها كولاية بحدودها الجغرافية وهيكلتها النظامية، وهي التي تظم المناطق الجنوبية لعمالة الوسط الجزائري والقسم الجنوبي من عمالة قسنطينة حسب التنظيم الإداري الذي وضعه الاستعمار الفرنسي.

يتبع..

مقالات متشابهة