د. بومدين بوزيد
تداولت صفحات الفيسبوك معلومات متوفِّرة في محركات غوغل وما سَمعهم بعضهم من أفواهِ بعض المؤرّخين عن “أصحاب الجماجم” التي للأسف الّلجنة العلمية لم تعطِ معلومات وافية، وربما هذا يتوقّف على الأرشفيين والمؤرخين لأنّ الضّباط الفرنسيين كانوا يكتبون التّقارير عن الأعمال الشّنيعة ومنها السِّجن والشَّنق وقطعِ الرؤوس، كما أن للشّعر الشعبي والروايات الشّفهية حضور في كتابة التاريخ، فتلك وثائق لم يهتم بها إلا القليل، وأذكر هنا الشيخ المهدي البوعبدلي الذي عاد للتّراث الشعبي كوثيقة تاريخية طبعاً مُتلبّسة بالخيال والإضافة ولكنّها تحمِل الوقائع التي هي الأصل في السّرد الشّعبي، فمثلاً انتفاضة قبيلة سويد في غليزان والشّلف يعود إلى شاعرهم البطل ابن السّويكت السّويدي الذي صوّر مأساة القبيلة وتغريبهم في نواحي فرندة ومناطق أخرى، كما اهتمت المجلة الإفريقية الاستعمارية بمثل هذه الأشعار والنصوص، وتُعتبر عند المؤرخين من المصادر الأساسية، فحياة موسى الأغواطي وما لابسها من غموض وأسرار هناك تقرير واحد كتبه مفتي دلّس يسمى قارة دبّجه سنة 1855 بطلب من الضابط بير بيغر الذي ترجمه للفرنسية ونشره في “المجلّة الأفريقية” عدد 1856 ، ونفس المعلومات تتكرّر عند أبي القاسم سعدالله ويحي بوعزيز وغيرهما، في حين نجد أيضاً نصوص “تحفَة الزائر” الذي كتبه ابن الأمير عبدالقادر و”مذكرات” الأمير و”طلوع سعد السعود” للمزاري يتعرّضون له في اختلافه مع الأمير ومعاركِه، كما أن شيخه الذي استقبله بالونشريس الشيخ العربي بن عطيّة الدّرقاوي والذي هاجر إليه من ليبيا بتوجيه من شيخه صاحب الطّريقة “المدنية –الدّرقاوية” لأخذ عنه العهد والورد ومناسك الطريقة اختلف معه، وهناك رسائل بينهما يعتبر فيها شيخ الشاذلية في زمنه أن موسى الدّرقاوي يريد “السّلطنة” أي الدنيا في محاربته للأمير والفرنسيين ، واشتهر ابن عطيّة الطويل الدرقاوي بفتواه في الهجرة من الجزائر لأنها أصبحت “دار كفر” وفعلا انتهى به المطاف في تونس وتوفيّ هناك عكس تلميذه وصاحبه الشيخ عدّة بن غلام الله الذي كان قاضياً زمن في مملكة الأمير ثم استقال وبقي في الجزائر إلى أن توفي بعد منتصف القرن التاسع عشر.
كما تظهر هذه التقاييد والرسائل التي وضعها العربي بن عطيّة الدّرقاوي ( حققنا كتابه مع الزميل خاين محمد وصدر عام 2015) بجلاء إشكالية المَشيخة والسّلطة، أي الفرق بين المشيخة الرّوحية الخالصة والمشيخة الصوفية التي تكون وسيلة “للسّلطنة” والاستئثار بالحكم.
مع هذه الرّسائل سوف نرى العلاقةَ مسألتين شكّلتا حضوراً في تاريخ التصوف – خصوصاً في القرون المتأخّرة – بين الحديث عن “المشيخة” التي هي من موضوعات أهل هذا الفنّ و”الزعامة السياسية” أو “السّلطة”، أو كما سمّاها “السّلطنة” التي تعني الحُكم ومنازعة السّلطة القائمة مهما كانت طبيعتها، والظّهور بمظهر الملوك والأمراء في اللباس والمركب، فهم: “يلبسون القفاطين والثياب الحَسنة ووسائد الحرير ويركبون في الكرّوسة (عربة يجرّها حصان) وغير ذلك من الجماليات التي عليها الجبابرة”.
إنّ الفرع الصوفي-الطّرقي الذي اختار “المقاومة لا المسالمة” هو “المَدنية” نسبة للقب صاحبها الذي استوطن المدينة المنورة، الشيخ محمد بن حمزة المدني فقد تأسست حوالي 1820، وزاويتُها الأولى مصراتة (ليبيا)، وتزعّمها في الجزائر الحاج موسى الدرقاوي “بوحمار” الذي نال نصيب النّقد من شيخه صاحب هذه الرّسائل المشار إليها.
حاولت التحدث باختصار عن ذلك لننقل الخلاف حول هذه الشخصية منذ ظهورها في الجزائر وانتقالها في مناطقها، وهناك من لم يستقبله ولم يسعفه في الثورة، أختم بطرح الأاسئلة التالية:
1- حسب علمي المعلومات المتداولة من تقرير المفتي الدّلسي “قارةّ الذي تُرجم ونُشر في “المجلّة الإفريقية”، أين هو النص الأصلي؟ وهل ما كتب كان موضوعياً حول هذه الشخصية؟
2- ما هي علاقته بالعثمانيين ومحاولة الحفاظ على “الخلافة الإسلامية” إذ أن والده كان فيجيش محمد علي بمصر وهو انتقل إلى تركيا، وفي ليبا ارتبط بالطريقة المدنية التي كانت تجد التشجيع من الأتراك وساعدتهم في بناء زاوية بأستنمبول؟
3- كان يتحدث التركية ، ويراسل شيخه بيليبيا ألا يطرح مشروع السؤال أن أصوله تركية وليست مصرية؟ وربما هو مصري من جهة الأم فقط ؟
4- مسألة إخفاء الأصول وطمس الانتساب للمنطقة كان سلوكاً معروفاً عند الذين يدّعون “المهدوية” أي الذين يزعمون أنهم “المهدي المنتظر” لأغراض سياسية، وأغلب هؤلاء تمهتدوا “أي أدّعوا المهدية” ؟ ولعله ادعى المصرية قصداً ، كما أن نزوله بالأغواط ومسعد مجهول نشاطه السياسي والديني فيها، وتكتفي المعلومات المجزأة أنه كان مؤذنا قي الأغواط ثم بعد ذلك كان صانعاً للشواشي، لماذا اختار بني يعلي في بلاد القبائل، وبني ميزاب؟
5- حربه مع الأمير وهزيمته النكراء كانت بسبب تحالفه مع بعض أهل المدية ( أتصور أنهم من الكراغلة) الذين أرادوا قبل تنصيب باي قسنطينة عليها، للإشارة هي مقاطع تيطرية تركية، وراسلوا موسى الأغواطي ليكون حاكماً عليهم ( أليس هذا معناه يؤدّي في مهمة لها علاقة بالأستانة التركية؟