أسْعد خبرٍ سمعناه اليوم أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون استطاع تحقيق الأمل في إعادة جماجِم أسلافنا المكرّمين الشّهداء إلى أحفادهم ليُقبَروا في أرض طَاهرة، ظلّت صرخة محمد بن علال بن مبارك (القليعي) – تيبازة- خليفة الأمير ومساعده مدويّة حين كاتبته عائلته المأسورة في سانت مارغريت بفرنسا والتي اختطفت بعد معركة طاغين الشهيرة 1843 (أنّ فرنسا تريد استسلامه مقابل حريّتهم)، قال حينها: ” أنتم أغلى ما نملك في هذه الدنيا الفانية، أشتري حريّتكم بمالي ونفسي لكن أن أستسلم للكافر المحتلّ هذا ما يرفضه ديني ونبيي” وقاوم في معظم بقاع الجزائر مثل بوزيان الزّعاطشة والشّريف بوبغلة وموسى الدرقاوي ومختار التيطراوي وعيسى حمادي وبوعمرة بن قديدة وغيرهم من الذين فُصلت أجسادهم عن جماجمهم، وقد تعرّف وتحدث عن ذلك الباحث علي فريد بلقاضي مشكوراً،
#أي قدر هذا أن تظلّ هذه الجماجم في متحف باريس مع حيوانات وأعشاب مُحنّطة شاهدة على الجرائم البشعة ضدّ الإنسانية؟ وأي قدر مثل هذا أن نجدّد اللقاء في زمن الوباء واليأس والقنوط مع أسلافنا الأشاوس؟ أية رسالة تبعث بها هذه “الجماجم” عن خرافة أنثربولوجيا القرن التاسع عشر المتخلف الذي كان يمايز بين الشعوب عبر الجماجم ، وأن التوحش لها علاقة فيزيولوجية بتركيبة عظام الجمجمة؟ أيُّ درس يقدّمه لنا هذا الحدث العظيم في كون الجماجم التي هناك والتي سيتم إعادتها إلى الوطن لا تفرق بينها على أساس عرقي (قبائلي / عربي/ شاوي /ترقي) أو جهوي؟ إنهم يقولون للأحفاد إن جماجمنا تمّ التمثيل بها وترهيب الجزائريين وإسكات المقاومة ووضِعت في متحف شاهد على الجريمة ولم يضعوا حتى أسماءنا بلْه انتماءنا العرقي والجهوي ؟
#ما أتعسنا اليوم أمام أسلاف نستحي أن نصل إلى هذه الكراهية والعفن العرقي والجهوي والفساد السياسي والمالي؟، هذا الشعور بالغبطة الذي عشته بسماع هذا الخبر ذكرني بالشهيد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي رضي الله عنه، الذي قُطع رأسه ومُثِّل به واختلفت الروايات في مكان دفنه فصار له أكثر من قبْر وملايين الأتباع، انتصر دهراً وانهزم ساعة.
#وها نحن اليوم نشهد جماجم شهدائنا الأسلاف تعود لوطن حرّره الشّهداء والمجاهدون لتكون الجزائر كلها مدفناً لهم، وأية مصادفة أن تكون المناهضة هذه الأيام ضد العنصرية وتهديم تماثيل الطغيان والتفرقة العنصرية ورموز الكراهية وهم مثل بيجو ولا مورسيير وديمشيل وغيرهم من الجنرالات والعسكريين الذين رقصوا على رفات أسلافنا وثملوا بالعبث بهذه الجماجم الطاهرة؟ أعود بحول الله لهذا الموضوع بعبارة واستعارة أخرى وليس بلغة الذين سيعبثون بهذه الجماجم مرة ثانية في الانتساب إليها وهم أبعد عن ذلك الشرف، أو يحولونها إلى “سجّل تجاري” شكرا لرئيس الجمهورية وللذين ناضلوا من أجل استرجاع جماجم أجدادنا المقاومين المجاهدين.
البروفيسور بومدين بوزيد