دعوة خير
بقلم الأستاذ: حسين مغازي
إذا دفعت بك الأيام وجلست يوما بين يدي المعلم طفلا صغيرا لا تفقه من أمور الحياة شيئا، ثم كبرت واشتد عودك ونضج يراعك، فاحذر أن تكتب شيئا تسيء به إلى من علمك أبجدية القراءة والكتابة، فإن فعلت فأنك كمن ينحر كرامته على مرآى ومسمع من العالم، وتبرير لذلك لا يعدو أن يكون كجهاد المنافقين، إن الذي علّمك ظلّ يتألم لسقاطتك وعثراتك وأنت في طريق العلم، فاعلم أنه يتألم كثيرا عندما تنحرف عن مبادئك التي أودعها فيك ذات يوم، لكنه في هذه الحال لا يملك حيلة لإنقاذك مرّة أخرى.. حقيقة أن أمورا عديدة ساهمت في تسويد صورة المعلم منذ زمن، ولا أشك مرّة أنها كانت متعمدة، ثم أضيف لها أيادي المعوقين الذين استلموا زمام التربية والتعليم وحتى السياسات التربوية، إلى جانب تحولات عالمية طرأت منذ زمن ليس بالبعيد (العولمة)، وفي وسط كلّ هذا السواد المصنع، تم استدراج المجتمع إلى ساحة البغض والجحود وكيل الاتهامات وتعليق كل مفردات فشل الأمة على هذا المعلم الذي لم يعد له من حول ولا قوّة، ولأن الزمن معلم من لا معلم له، فإن الحال بدأ يترجم سلوكات الندم التي اقترفناها ضد هذا المعلم، وبدأت تصورات جديدة من التقدير والاحترام تأخذ طريقها إلى ذهن المجتمع، فصفعة كورونا أيقظت الجميع من شروده وغفلته، وعلمتنا أن الحياة لم تخلق لنا عبثا، علمتنا أن للإنسان قيمة وأن للوقت قيمة، وأن الاستهتار بنظام الحياة انتحار، وأن أماكن العمل صلوات تستقيم بها حياتنا، وأن رجال العلم مشاريع شهادة زمن المحن والنكبات، ولأن الزمن خير أستاذ للبشر كلهم، فقد علمنا أيضا أن المدرسة محراب للعلم والأمل والحياة والرقي والإزدهار، وموطن راق لأبنائنا وبناتنا، ينهلون منه كل مقومات الحياة، علّمنا أيضا أنه حان الوقت لنعتذر لهذا المحراب ونستعيد آداب الاقتراب منه، وأجمل ما نهديه للمدرسة أن نهمس في آذان أبنائنا.. أن المدرسة أم ثانية وأن المعلم أب ثان.
صح رمضانكم