النفوس الزكية
خواطر عطائية ..!
بقلم: عطاء الله فشار
الحلقة: الاولى
يحل علينا الشهر الفضيل في ظل ظروف لم يسبق لنا وأن عشناها.. المساجد مغلقة وصلاة الجمعة والجماعات معطلة والظروف الصحية باعدت بين العائلات والأسر والقلوب تهفو إلى مكة والمدينة وإلى الجوامع في كل مكان رغبة في التعبد والقيام والتهجد والذكر والدعاء والطواف وقراءة القرآن ولكن حال دون ذلك كله هاته الجائحة، وإن رمضان هو شهر الأمة المحمدية والغاية منه ( لعلكم تتقون) والتقوى محلها القلوب، والجوارح تبدي أثر التقوى والنفوس ترتقي إلى مقامات العارفين ومن ثم كان الالتفات المستمر إلى النفس وتعهدها الدائم ومجاهدتها ومحاسبتهاحتى تسلم من العيوب وتستقيم على منهج الله هو أهم معركة يخوضها الإنسان وعيوب النفس، إما تتعلق بعلاقة العبد مع ربه أو بعلاقة العبد من الناس أو تتعلق في التعامل مع الذات نفسها.
-يقول الله عز وجل في محكم التنزيل:
﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
-ويقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَاد﴾
-ومن علامات الحاجة إلى تزكية النفس استمراء خصالها المذمومة، كالكبر والحقد والحسد والغرور، وكذلك الفضول المذموم: كثرة الكلام، كثرة الضحك، كثرة الحديث حول الناس وما يلازم ذلك من الغيبة، كثرة النوم، كثرة الخوض في أمور الدنيا، في أمور الدرهم والدينار، ونحو ذلك.
ومن مراتب النفس:
– النفس الأمارة: وهي التي تأمر صاحبها بما تهواه من شهوة فائرة أو ظلم أو حقد أو فخر إلى آخره، فإن أطاعها العبد قادته لكل قبيح ومكروه قال تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيم﴾
-أما المرتبة الثانية: النفس اللوامة
والتي يمكن للنفس أن تعلو إليها فهي النفس اللوامة، وهي النفس التي تندم على ما فات وتلوم عليه، وهذه نفس رجل لا تثبت على حال فهي كثيرة التقلب والتلون، فتتذكر مرة وتغفل مرة، تقاوم الصفات الخبيثة مرة، وتنقاد لها مرة، ترضي شهواتهِا تارة، وتوقفُها عند الحد الشرعي تارة. وفيها قال تعالى ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة﴾.
-أما أعلى مرتبة: فهي النفس المطمئنة: والتي يمكن أن تصل إليها نفسك وترقى هي النفس المطمئنة، وهي تلك النفس التي سكنت إلى الله تعالى واطمأنت بذكره وأنابت إليه وأطاعت أمره واستسلمت لشرعه واشتاقت إلى لقائه، وهذه النفس هي التي يقال لها عند الوفاة ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.
-ومن أجل تزكية النفس وجب على الإنسان:
– الاعتراف بعيوبها، وإن مما يجعلك ترفض الاعتراف بالعيب الشعور بأنك قد بلغت مرحلة من الصلاح لا تحتاج فيها إلى تذكير ونصح لكثرة ما قرأت وعلمت في إصلاح النفوس…
-ثم تأتي خطوة أخرى لإصلاحِ النفس وهي: ِمجاهدتُها. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين)
-ثم خطوة أخرى في تزكية النفس: وهي تنميةُ الصفات الطيبة ورعايتُها حتى يكون لها الغلبة. قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الحلم بالتحلم).
-ثم خطوة أخرى في تزكية النفس: وهي من أهمها الدخول على الله من باب العبودية المحضة، وباب العبودية المحضة المقصود هو باب الانكسار والافتقار إلى الله تعالى، والذل، ذلك بأن يستشعر الإنسان أنه ذو صفاتٍ تقتضي الحاجة إلى رحمة ربه. و يلازم الدعاء كما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم علَّم حصينا أن يقول: (اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي).
يقول البوصيري رحمة الله عليه:
والنفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضـــــاع وإن تفـطمه ينفطــم
وجاهد النفس والشيطان واعصهـــما ** وإن هما محـــضاك النـــصح فاتــهــم
فاصرف هواها وحاذر أن تولــــــــــيه ** إن الهـــــــوى ما تولى يصم أو يصــم
وراعها وهي في الأعمال سائـــــــمة ** وإن هي استحلت المرعى فلا تســم
وكم حســـــــــــــنت لذة للمرء قاتلة ** من حيث لم يدر أن السم في الدسم.
وضمن هذا السياق بإذن الله وتوفيقه ستكون لنا يوميا وقفة في هذا الشهر عن تزكية النفوس وإصلاح عيوبها ضمن ركن أنشره يوميا.