هواجس عابرة للقارات
المــوجــــة الثالثــــة
بقلم: الكاتب والباحث في التنمية البشرية: شدري معمر علي
أصعب ما تعانيه الحضارة الحديثة أو المدنية الحديثة لأن هناك من يطلق اسم الحضارة على الدول التي تطير بجناحين: الجناح المادي والجناح الروحي، والحضارة الغربية تفتقد للجانب الثاني، وكثير من المفكرين والمهتمين بالدراسات الحضارية يؤكدون على أن الإنسان الغربي يعيش بلا معنى،إنسان يقدس الفردية متقوقع على ذاته. ويؤكد ذلك العالم والمفكر “إيفان توفلر” في كتابه الخطير “الموجة الثالثة” لنترك المفكر الكويتي المختص في المستقبليات “أحمد النفيسي” يحدثنا عن أفكار هذا الكتاب يقول: “يضع وضع توفلر أصبعه في قاع الجرح حين يقول في كتابه الثمين “الموجة الثالثة” إن الحياة في حضارة الغرب باتت بلا معنى ولا مذاق ولا هدف، ويؤكد بأن الفرد لكي يحيا حياة متكاملة يحتاج لإشباع ثلاثة ميول طبيعية لديه: أولها: الانتماء لجماعة تستحق الاحترام. ثانيها: وضوح المعايير والمقاييس التي تحدد الصحيح من غير الصحيح.
ثالثها: تحديد معنى لهذه الحياة وهدفها ومآلها. ويقول: إن الفرد الذي يعيش في المجتمع الغربي لم يتمكن من إشباع هذه الميول الطبيعية المشروعة، لأن المجتمع الغربي لا يشجع ولا يحرض الفرد لأن ينتمي إليه فتكوين ذلك المجتمع يؤكد على الفردانية”. لهذا لا نستغرب أن نجد في الأفلام الغربية البطل الأوحد المنقذ المفتول العضلات، بل حتى في الجانب الفكري، فالنموذج الغربي هو المفروض على العالم، ويتجلى هذا في العولمة الشرسة التي أذابت خصوصيات المجتمعات وتقاليدهم وأعرافهم. والطامة الكبرى أن كثيرا من المثقفين العرب يبشرون بهذا النموذج ويرونه الحل الوحيد للنهضة بمجتمعاتهم وخروجها من النفق المظلم، فانتشرت النظريات الفكرية المؤدلجة في السياسة والأدب والاقتصاد وهؤلاء المثقفون المتأزمون أو الذين يعانون من عقدة النقص تجاه الآخر هم أنفسهم فقدوا المعنى وعاشوا في أبراجهم العاجية بعيدين عن واقع مجتمعهم، وليس غريبا أن جوهر الدين الإسلامي يؤكد على أن يكون للإنسان هدفا لحياته وأن يعيش مع المجموع، وأن تكون له معايير ومبادئ يميز تجعله يميز بين الحلال والحرام الصحيح والخطأ، وهكذا يستطيع الإنسان أن يواجه أمواج الحياة ويصل إلى شاطئ الأمان.