يواصل الكاتب والإعلامي المغترب لخضر خلفاوي في هذا الحوار الحديث عن التحديات التي واجهته كإعلامي في المهجر، وكذا رغبته في الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الصحفيين الجزائريين والعرب، من خلال إطلاق جريدة “الفيصل الإلكترونية” بباريس، كما تحدث عن واقع الإعلام في الجزائر بعد فتح قطاعي السمعي البصري، وكذا تفاؤله بإمكانية أن تقدم هذه القنوات جديدا على مستوى الإعلام في بلادنا.
* ما مدى تأثير المهجر على حياتك ككاتب وإعلامي وفنان؟
-الكاتب والإعلامي والفنان كلّ على حِدّة، هم جزء من المجتمع و يصبحون أبناء محيطهم أبوا أم شاؤوا، و لا أدري إن كان هذا نقمة أو نعمة عند اجتماع ثلاثتهم في شخصي، تصوري حجم التأثر والتفاعل مع “محيطي النيابي” باعتباري أني قضيتُ كل شبابي لحسن حظي في محيطي الميلادي الأصلي و هو بلدي الجزائر، أين استفدت من تربية نموذجية و غنية. أنا لم أتغيّر و لم تغيّرني حياة المهجر ومتناقضاتها مع ” حقيبتي الفكرية و الثقافية” المتواضعة التي جئتُ بها من الجزائر، كانت رهاناتي الأولى و تحدياتي في الوهلة الأولى منذ استقراري في باريس هي ” إيقاظ” لغتي الثانية وهي ” اللغة الفرنسية، بحكم كنت قليل الاستعمال لهذه اللغة ومسرف التعبير بلغة الضاد، وصاحب عملية إيقاظ اللغة الفرنسية من موروثي الثقافي اللغوي والدراسي و العمل بكل ما أوتيت من جهد لتحسينها وتمرينها تمرينا جيدا، استطعت أن آمن ” شر” الخطاب في مجتمع يتحدث لغة ليست لغتي الأم.. ثم جاءت المرحلة الثانية وهي استعمال هذه اللغة في الكتابة الإبداعية الأدبية، و وفقت والحمد لله في ذلك، بل صرت أنشر بالفرنسية مجموعاتي الشعرية والروائية باللغة الفرنسية مباشرة، و من دون أن أشعر وجدت نفسي كاتبا باللغتين ومترجما باللغتين فاتسعت مع مرور الوقت والعمر أدوات التعبير عن أفكاري وهواجسي الفكرية والوجدانية، أما عن الفن التشكيلي بما في ذلك الخط العربي، فهما لا يحتاجان إلى ترجمان لإبراز مواضع الجمال وموسيقى الألوان والتشكيل.
*نبارك لكم إصداركم لجريدة “الفيصل الإلكترونية“، فهل سنرى إعلاما جزائريا من الضفة الأخرى، وبماذا تعد الصحفية قراءها في المهجر؟
– شكرا لكِ.. بطبيعة الحال سنرى إعلاما جزائريا من موقعنا رغم بعد المسافة بحكم أن مؤسسها الأساسي هو جزائري حتى النخاع، لكن سنرى موازاة مع ذلك إعلاما مفتوحا على كل الآفاق والأعراق، قد تكون بجينات جزائرية، أو بالأحرى بلهجة إعلامية جزائرية التي تتسم بالجرأة والقسوة في بعض الأحيان!.
نحن لم نأت لكي نقلّد فضاءات و منابرا موجودة بالمئات على الساحة، بل جئنا لنساهم في توسيع آفاق الجرأة في الطرح من زوايا و فلسفات مختلفة. مسألة الوعود هذه (الشغلة) أضع لها ألف حساب باعتباري لا أحب ذر الوعود دون الوفاء بها، ” الفيصل” تحمل مشروعا نبيلا وكبيرا متفرع الأهداف، لا نريد أن نفصح عنها في الوقت الحالي لأنه سابق لأوانه، الشيء الوحيد الذي لا نتردد في الوعد به ولا نخجل منه هي “الجرأة” ونصرة المظلوم والتنديد بالمظالم أينما وجدت .. في منبرنا أسقطنا “بروتوكولات” النشر الإعلامي والميزة التي تفصل بين الرأي العام أو القارئ العادي، وإلى ذلك من الممارسات التي ما زالت قيد التنفيذ لدى معظم الصحف. نريدها أي ” الفيصل” أن تكون “صوتا لمن لا صوت له!”، كفانا كتما للأصوات و حظرا للتعبير و الرأي، و أنا لا أتحدث فقط عن المجتمعات في الأوطان العربية أو الإسلامية و غيرها في المعمورة الموصوفة بدول العالم الثالث، بل عن سياسة التعتيم والحظر للآراء والتعبير الممارسة في الدول الغربية والأوروبية، فلا نعتقد أن هذه المجتمعات منزهة و كل شيء فيها على ما يرام رغم أنها والحقيقة تُقال رائدة في هذا المجال دون نقاش.
*ماهو تقييمك لواقع الإعلام في الجزائر بعد فتح قطاع السمعي البصري؟
– رغم غيابي عن البلد طيلة كل هذه السنين، فإني أتابع كل التطورات التي عرفتها الجزائر وبالخصوص في الحقل الإعلامي، أو ما يسمى بالتعددية الإعلامية والأشواط التي قطعتها الأسرة الإعلامية من أجل تحقيق كل هذه المكاسب التي كنا نحلم بها في بداية التسعينيات. دعم الساحة الإعلامية بفتح أكثر لتجربة التعددية في المجال السمعي البصري هو إثراء و تقوية لعضد النضال الإعلامي والتجربة الجزائرية الرائدة في هذا القطاع عربيا وإقليميا، وهي مكاسب تُحسد عليها المنظومة الإعلامية الجزائرية .. إنها لم تأتِ هكذا من فراغ أو هبة من جهة أو سلطة معينة، بل هي استحقاقات وجب تأكيدها لما قدمته الصحافة الوطنية من تضحيات لم تقدمها أي أسرة إعلامية في العالم، و أقول هذا بكل فخر و اعتزاز، لا يوجد بلد آخر في العالم من ضحى بأزيد من 100 صحفي و إعلامي في العشرية الدموية اللعينة والمقيتة. وقد تناولت هذه التجربة في آخر كتاب لي صدر في أوت 2015 بعنوان ” المتمرّد و غضب الكتابة ـ أعمدة لأحلام مغتالة”، صدر عن دار ” حصون الكتاب” في فرنسا، أين نشرت ترجمة لبعض من أعمدتي التي كنت أكتبها في الجزائر و باللهجة اللاذعة والساخطة (من خلال كتابات ساخرة في بعض الأحيان) التي كنت استعملها ضد الوضع والمأساة التي عايشناها بكل تفاصيلها، إذن صحافة الجزائر اليوم بسمعها وبصرها ومكتوبها هي سليلة نضال شريف وبطولي لا يجب نسيانه أو الاستهانة به، لذا كتبت هذا الكتاب ليكون توثيقا إضافيا للتضحيات الجسام التي قدمناها من أجل تكريس مبادئ أساسية في بناء دولة ديمقراطية متعددة الرؤى والأفكار، هذا بشكل عام، لكن يجب أن ننتبه ونسعى للحد من بعض الممارسات اللااحترافية التي تمارس من حين إلى آخر من قبل بعض العناوين والقنوات، فهذا القطاع لم يسلم هو أيضا من اختراق بعض من ليس لديهم أي صلة أو هدف إعلامي احترافي عدا تنفيذ أجندات معينة لخلق العبث والبلبلة والمشاركة في الصراعات المصلحية والحزبية وتموقعات مآربية مختلفة.
*ما هو تقييمكم لما تقدمه جريدة “الحوار” اليوم لقرائها؟
– ليس لي الحق في تقييم أيّ عنوان أو منبر إعلامي، تجنبا للغرور، فتجربة يومية” الحوار” غنية عن تقييمي لها، فهي دون مجاملة تذكرني بصحافة “التسعينيات”، ربما لأن الزمن توقف بي عند هذه الفترة، و ما زلت أشتغل فكريا انطلاقا من هذا الحنين والشوق .. جريدة متزنة وقيمة المحتوى وشاملة اعتمدت على التنويع والشمولية والإتزان في تناول المادة الإعلامية بشكل جعلها ويجعلها بإذن الله الفضاء الأرحب والمسؤول شكلا و مضمونا يهب كل قارئ ضالته ومبتغاه.
حاورته: سهام حواس