عدة فلاحي/ باحث في الإسلاميات
بمناسبة وفاة الشيخ محمد شريف قاهر، أعود للحوار الذي أجريته معه حين زيارتي له بالمجلس الإسلامي الأعلى سنة 2008 وفاء لذكرى هذا الرجل من رجالات المرجعية الدينية الوطنية بالجزائر، وهو بحق يعد من النوع الذي يعمل بسكينة وهدوء و من دون ضجيج بعيدا عن الصخب الإعلامي وحب الظهور الذي أفسد طباع كثير من خلق الله ممن ضررهم أكبر من نفعهم على البلاد والعباد، فما أحوجنا لمثل الدكتور الشيخ محمد الشريف قاهر، الذي هو فعلا شريف النسب وقاهر للجهل وللنرجسية التي زحفت اليوم على أشباه المثقفين والمتعلمين، وهو في العقد الثامن من عمره لم يتوقف الشيخ قاهر يوما عن طلب العلم والبحث والتدريس وأبغض شيء بالنسبة إليه هو الوقوع في الفراغ، بحيث كما أخبرني لا يجد الراحة والمتعة إلا في الحركة والعمل وهذه القيم، وللأسف كدنا نفقدها في هذا الجيل الذي لا يريد أن يعترف بأن الدنيا تؤخذ غلابا بعدما استسلم لليأس والفشل.
- * من هو الدكتور قاهر؟
-اسمي الكامل محمد الشريف قاهر من مواليد 02 جانفي 1933 بقرية “تموقرة” ببجاية، وهذه التسمية مشتقة من مكان القراءة ويعود تاريخها إلى القرن التاسع، حيث استقر بها جدي الأول المدعو الشيخ يحيى العدلي أبو زكريا بن أحمد ( ت881 هـ)، حيث أسس معهدا للعلوم الذي كان مقصد العلماء والطلبة، وقد كان على رأسهم الشيخ أحمد زروق البرنو سي الفاسي ( ت سنة 899 هـ)، الذي أخذ العلم عن الشيخ العدلي ثم بقي أستاذا ومعلما ومربيا لطلبته، كما ألف عدة كتب بمسجده، هذه القرية تموقرة كانت مقصدا لطلبة العلم ولمن ظل بهم السبيل، وأنا ابن عائلة محافظة ومتواضعة، وفي بداية حياتي تعلمت بمسجد القرية الذي التحقت به وأنا ابن أربع سنوات، وقد كان من العادة ألا يسمح بالالتحاق بالمسجد لحفظ القرآن إلا بعد المرور على الامتحان الذي يطلب فيه الشيخ من الطفل حفظ العدد من واحد إلى عشرة، وبحمد الله وفقت لما عرضت ذلك على شيخي في اليوم التالي، وسمح لي بالالتحاق بالمسجد، وقد قرأ علي شيخي في مستهل ذلك هذا الدعاء ” باسم الله والتوفيق بالله، والشيطان أخزاه الله، ونحفظ القرآن إن شاء الله”، وهكذا بدأت حفظ القرآن إلى أن وصلت إلى الحزب العاشر نزولا من سورة الناس إلى سورة الأحقاف، وقد وجهنا على هذه الطريقة حتى يسهل علينا حفظ السور الصغار ونتعود على ذلك دون أن نصاب بالإرهاق والملل لو بدأنا بالسور الكبار كالبقرة وما شابه مثلا، وفي هذا اليوم يأتي الطالب بشيء من الفاكهة يوزعها على زملائه إذانا بانخراط طالب جديد في صفوفهم، إذن بعد هذه المرحلة وفي سنة 1949 التحقت بزاوية جدنا سيدي يحيى العدلي، وقد كان شيخي الأول آنذاك هو الشيخ محمد طاهر آيت علجت، حيث أتممت حفظ القرآن كله بالزاوية، وهناك أخذت المعلومات الأولى في حفظ المتون، سواء كانت نثرا أو نظما في رسالة أبي زيد القيرواني وابن عشير ولامية الأفعال وصرف الحديث والبلاغة الواضحة وألفية ابن مالك والعاصمية وعلوم الحساب والفرائض، و النظام تقريبا هو على نمط الزيتونة، حيث الطلبة الذين سبقونا في الدراسة بالزيتونة أخذوا برامج الزيتونة ونقلوها إلينا بالزاوية وطبقت، وفي سنة 1951 التحقت بجامع الزيتونة بتونس و بما أني أخذت المعلومات الأولى من زاوية الشيخ العدلي، وبعد مروري على الامتحان التحقت مباشرة بالسنة الثالثة من هذا الطور، وقد كان المدير آنذاك من بجاية، وهو السيد مختار البجاوي، وفي السنة الرابعة حضرت للحصول على شهادة الأهلية بامتياز سنة 1954، وبعدها التحقت بالسنة الخامسة من التعليم الزيتوني، بما تعادل السنة الأولى من التعليم الثانوي، وفي سنة 1957 نلت على شهادة التحصيل، وفي سنة 1959 نلت شهادة العالمية (بكسر الميم) في الشريعة، وهنا انتهت دراستي بتونس.
- *بعد حصولك على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، أين واصلت ما تبقى من مشوارك الدراسي؟
– بعد ذلك تكفلت الحكومة المؤقتة التي تشكلت سنة 1958 وبإشراف وزير التربية آنذاك الشيخ أحمد توفيق المدني، رحمه الله، ببعثنا لمواصلة الدراسة إلى المشرق العربي، فمجموعة ذهبت إلى القاهرة وأخرى إلى دمشق، أما مجموعتي فقد توجهت إلى بغداد، وقد تم نقلنا برا عبر الطرق غير الرسمية على متن شاحنة كانت تنقل السلاح من القاهرة إلى المجاهدين بالجزائر، وفي بغداد عوملنا من قبل نظام عبد الكريم قاسم، رحمه الله، الذي كان مناصرا و مدعما للثورة الجزائرية معاملة و رعاية خاصة، وفي العراق التحقنا بالاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين فرع بغداد، و بعد دراسة ثلاث سنوات تحصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية، وفي سنة 1962 ومباشرة بعد الإعلان على الاستقلال في عهد الحكومة المؤقتة برئاسة يوسف بن خدة، عدنا إلى الجزائر عبر طائرة خاصة سخرتها لنا جبهة التحرير الوطني وبجواز سفر جزائري، وبعد عودتي إلى الجزائر مباشرة عينت أستاذا بثانوية ابن تومرت ببوفاريك، وبعدها بسنة تنقلت إلى ثانوية عقبة بباب الواد بالعاصمة، وبعدها التحقت بالمعهد التربوي للجنة التأليف، وبعد ذلك التحقت بجامعة الجزائر وتحصلت على شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة بين سنتي 1972 /1973 حول ” الأدب الأندلسي” وبعدها بقيت أدرس بالجامعة إلى غاية سنة 1983، حيث عينت مديرا بمعهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة الجزائر الذي تحول فيما بعد إلى المعهد الوطني العالي لأصول الدين وبقيت مديرا بهذا المعهد لمدة تسع سنوات، أي إلى غاية سنة 1990، وبعد هذا التاريخ تفرغت لمدة سنتين للتدريس بالمعهد الوطني العالي للقضاء، مع مواصلة تدريسي وإلى اليوم لعلوم القرآن والحديث بجامعة الجزائر، وهذا بعدما تركت تدريس الأدب العربي.
- *عندما كنتم تزاولون دراستكم بتونس اندلعت الثورة الجزائرية، كيف استقبلتم هذا الحدث؟
– الطلبة الجزائريون بتونس كانوا منقسمين إلى فوجين مع احتفاظهم على رابطة الأخوة، فوج البعثة وهو تابع لجمعية العلماء المسلمين، أما الفوج الثاني فيطلق عليه جمعية الطلبة، والذي كان على رأسه الأستاذ عبد الحميد مهري، وهو من حزب الشعب، وقد استقبلنا هذا الحدث بحيرة، ورحنا نتساءل هل من قام بهذه الثورة هو الزعيم مصالي الحاج، أم جبهة التحرير الوطني، ولم نستبين الأمر إلا بعد عودتنا إلى الجزائر سنة 1955 حيث التقينا بالعقيد عميروش وأعلمنا بحقيقة الأمر من أن الثورة هي من فعل جبهة التحرير الوطني التي انصهرت فيها كل التنظيمات ولغاية واحدة وهي تحرير الجزائر، وبالتالي أعلنا له أننا نحن كذلك جنود الجزائر وسنبقى للالتحاق بالثورة، ولكن عميروش الذي تكفل بمصاريف الدراسة عارضنا في ذلك وطلب منا إكمال رسالتنا في طلب العلم وبالعودة إلى جامع الزيتونة، وقال لنا نحن في حاجة إليكم في هذه المواقع ومن تلك اللحظة بقينا على اتصال مع الشهيد عميروش عن طريق الشيخ طاهر علجت الذي بقي يدرس بالزاوية التي قنبلتها طائرات العدو سنة 1956، وبالتالي الطلبة الذي شردوا ولم يجدوا أي ملجئ وجدوا أنفسهم مكرهين لترك الدراسة والالتحاق بالجبال من أجل تحرير الوطن.
- *رغم المهام العسكرية التي كانت موكلة للعقيد عميروش إلا أنه لم يغفل الاهتمام بتكوين الطلبة وتعليمهم، أليس هذا رد على من يتهم عميروش بتوجسه وعدائه للمثقفين؟
-عميروش رحمه الله كان مجاهدا بالسلاح، ولكن كانت له نظرة إستراتيجية في مقاومة العدو، وقد كان له الفضل وهو مسؤول الولاية الثالثة بالنفقة على الطلبة الذين ذهبوا للدراسة بتونس، بل تعهدهم بالرعاية وبالمتابعة عن طريق الشيخ طاهر علجت، بل وقد تنقل سنة 1957 إلى تونس واجتمع بنا وبعث لنا بالمعلمين وبالطلبة، بعدما أسس مدرسة صغيرة خارج العاصمة تونس أطلق عليها مدرسة النصر، كما عمل على توحيد صفوف الطلبة بمختلف توجهاتهم وبفضله تم تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي كنت أحد مؤسيسه وهكذا توحد الطلبة الجزائريون تحت راية واحدة تحت مسئولية جبهة التحرير الوطني.
* عدا كتابك حول الأدب الأندلسي هناك دراسة قيمة أنجزتها حول السيرة النبوية الشريفة التي كتبها الشيخ عبد الرحمن الثعالبي تحت عنوان” الأنوار في آيات النبي المختار” هل لك أن تحدثنا عن هذه الدراسة؟
-عند عودتي من الدراسة بالمشرق وجدتني أعرف عن تاريخ المشرق الكثير وأجهل تاريخ بلادي وعندها حرصت على دراسة التاريخ الجزائري والتعمق فيه وقد تعلقت بكل ما له علاقة به، كما تولد عندي كذلك تعلقا خاصا بالسنة النبوية الشريفة وقد وجدت أن علماء المشرق وعلماء الأندلس قد كتبوا عن السيرة النبوية إلا بلدان المغرب العربي بصفة عامة ومنها الجزائر لا نجد فيهم من اهتم بالسيرة النبوية، فقد بحثت ودرست كل ما له علاقة بالسيرة النبوية إلى أن التقيت بالشيخ عمر بوعناني رحمه الله فأخبرني أن بحوزته كتابا عن السيرة النبوية تحصلت عليه من ضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، ولعلمك الشيخ الثعالبي كان زميلا لجدي الأكبر الشيخ العدلي وقد درسا مع بعض ببجاية وبينهما مراسلات وأقام الشيخ الثعالبي ببجاية حوالي تسع سنوات، فكما قلت لك عندما تحصلت على هذا المخطوط عن السيرة النبوية للشيخ الثعالبي بعنوان” النوار في آيات النبي المختار” من الشيخ بوعناني تفرغت لتحقيقه ودراسته لمدة عشر سنوات من سنة 1990 إلى حوالي سنة 2001 وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء وبعد دراسة مطولة حول من ألف في السيرة النبوية والذين وصل عددهم الأربعين لم أجد من بين هؤلاء سوى الشيخ عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله.
- * ما هي المهام التي تقلدتها سوى اشتغالك بالتدريس وإدارة المعهد الوطني العالي لأصول الدين؟
– في سنة 1980 رشحت كعضو بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي كان تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزير عبد الرحمن شيبان وبعد دستور 1996 ألحق برئاسة الجمهورية ومن سنة 1998 وفي عهد الدكتور عبد المجيد مزيان رحمه الله وأنا عضو بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى يومنا هذا، حيث اضطلع بمهام رئاسة مجلس الفتوى بحكم تخصصي في الشريعة وإن كان هناك من هو أعلم مني في هذا الميدان.
- * بحكم ترؤسكم للجنة الفتوى بالمجلس الإسلامي الأعلى، ما هي قراءتك لما يسمى بفوضى الفتوى وإصدار الفتاوى التي تحرم أكل الزلابية والاحتفال بالأعياد الوطنية كعيد ثورة نوفمبر وعيد الاستقلال وغيرها أكثر من أن تحصر وجميعها أثارت بلبلة كبيرة في المجتمع الجزائري؟
– نحن في الجزائر منذ أن وجدنا على ترابها وجدنا آباءنا وأجدادنا على فقه مذهب مالك وعلى عقيدة الأشعرية وطريقة الجنيد السالك، وعلى ذلك توحدنا وكانت صفوفنا متراصة وقلوبنا متحابة، وبذلك وقانا الله شر الفرقة والمهالك التي وقع فيه أشقاؤنا في المشرق العربي الذي كثرت فيه الملل والنحل والعقائد والمذاهب، فقبل الاستقلال إذا دخلت المسجد تجد المصلين كلهم على طريقة واحدة وعلى هيئة واحدة أما اليوم إذا الدخلت المسجد ففي الصف الواحد تجد شتاتا ونشازا، فهذا قابض واضعا يديه على صدره والآخر على بطنه والآخر سادل وقد أرخى يديه وهكذا” إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء”، إذا مذهب الدولة وهو المذهب المالكي ينبغي المحافظة عليه، والمفتي يجب أن يحترم مذهب الجماعة التي يقيم بها حتى لا يمزق صفوفها ويحدث فتنة بداخلها وإذا كان على مذهب غير مذهب الجماعة فليحتفظ بذلك لنفسه.
- * إذن تعتبر الفتوى الخارجة على إجماع الأمة التي رضيت بمذهب معين هو فتنة يجب محاربتها؟
– نعم من يقدم على ذلك فهو فتان وعلى الدولة بكل ما تتمتع من سلطة وصلاحيات أن تجعل من يجلس على كرسي الإرشاد والإفتاء التقيد بمذهب الدولة وعندنا بالجزائر مذهب الدولة والمجتمع هو المذهب المالكي ولا نقبل من يتصدر لذلك أن يخالف ما أجمعت عليه الأمة.
- * الجزائر منذ قرون استقرت على المذهب المالكي ولكن في المدة الأخيرة سمعنا بعض الأصوات من تحذر من الدعاية ونشر المذهب الشيعي في الجزائر وغيرها من الدول العربية، كيف ترون هذه المسألة التي أثارها بشكل قوي الشيخ يوسف القرضاوي ؟
-والله عدونا المشترك وقضية الجميع هو الإلحاد والإباحية وهو الصهيونية والاستعمار وكل من يحارب الإسلام، ونحن نريد أن نجمع ولا نريد أن نفرق ونريد أن نوحد لا أن نشتت وكل من قال لا إله إلا الله ومحمد رسول الله هو على ملة الإسلام والمسلم أخ المسلم، قد نختلف في الفروع وهذا أمر طبيعي ولكن الهدف واحد وخلاف بيننا كسنة أو شيعة في الأصول، وفي هذا الوقت ما أحوجنا إلى أن تجتمع كلمتنا ونواجه معا الخطر الذي يهدد كياننا ويمزق صفوفنا، أما عن حب آل البيت وحب آل محمد فهذا لا خلاف حوله وكلنا نحب آل بيت رسول الله، فنحن نحب كل من يحبهم ونبغض كل من يبغضهم، وما نخشاه اليوم هو التكفير وليس التنصير، فمن بدل دينه فهو كافر والواجب هو قتله، واستخدام مصطلح التنصير هو خطأ شائع والأصل أن نقول التكفير.
- * و في هذه الحالة ألا يجوز إقحام الآية الكريمة “لا إكراه في الدين” ؟
– أبدا فلا إكراه في الدين ما دام لم يدخل في الإسلام “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، أما وقد ولد مسلما أو اعتنق الإسلام ثم ارتد عنه فهو خروج عن الدين وحكمه حكم الكافر والواجب هو قتله وإلا سادت فوضى في المجتمع.
* في هذه الأيام انعقد الملتقى الثاني للطريقة التيجانية وقد أخذ عنوان التصوف والعولمة، هل التصوف قادر على مواجهة ثقافة العولمة؟
– يا أخي الإنسان لا يكون كذلك إلا بالروح والجسد، ولا يمكن الفصل بينهما بأي حال من الأحوال وكلاهما يكمل الآخر لتحقيق التوازن، و الحقيقة أن الروح هي الأصل و الجسد هو الوعاء لهذه الروح المقدسة التي نفخها الله في الإنسان من روحه، وكما قال لشاعر (( اقبل على النفس واستكمل فضائلها.. فأنت بالروح لا بالجسد إنسان)) وبالمناسة عندما كنت على سفر مع أحد الأطباء قلت له: الإسلام يعتبر العلم علمان، علم الأبدان وعلم الأديان، ولكن هناك فرق، فنحن نربي الباقي وأنتم تربون الفاني، فكل ما فوق التراب تراب، إذن الإسلام لا يهمل جانبا لحساب الآخر والإنسان أمام ذلك وكأنه يحمل بكلتا يديه بثعبانين واحد باليمنى والآخر باليسرى، إذا شغل بهذا لدغه الآخر وعليه لا بد أن يكون مستيقضا في كلتا الحالتين حتى لا يطغى جانب على الآخر والله تعالى يقول “ولا تنسى نصيبك من الدنيا” و “من حرم طيبات الله من الرزق..”، وإذا كانت الدنيا مطية للآخرة فلا بد من العمل لهما معا” اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا”، والعلم بدون روح هو غثاء ولا منفعة ترجى منه والروح كذلك لا يمكن أن تعيش إلا في الجسد وما دام الأمر كذلك فلا بد من المحافظة على المادة وعلى الروح وهذا هو ما يسمى بالاعتدال والوسطية.
* وفي الجانب الآخر هل يستطيع التصوف مقاومة نزعة التطرف، هل استطاع أن يحاصرها ويحاربها ؟
– التصوف هو الحب، وفي الواقع التطرف هو الذي يحارب الآن التصوف الذي أضحى في حالة دفاع، وذلك لأن التصوف يحب الخير للجميع ويتحرك في هدوء ولا يبغي إلا المنفعة لمخلوقات الله.
- * ولكن ما هو ردكم على من يقول أن التصوف عجز وفشل في مهمة احتواء التطرف؟
– أولا التصوف هو الورع والابتعاد عن الملذات وعن الأنانية وحب الذات والابتعاد عن كل ما يسيء إلى الخلق، ولا يدعو إلا للخير، بقي أن يكون جميع الناس متصوف فهذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرا، وقد خلق الله الخير والشر والجنة والنار والبقاء للأصلح، والذي وفقه الله وأحبه يعمل لدنياه ولآخرته.
- * سماحة الشيخ ،كثيرا ما نجد الدول الغربية التي تتبنى السياسة اللائكية أو العلمانية أي فصل الدين عن الدولة ما تصرف الملايير من أجل التبشير بالمسيحية، كيف تحللون هذا التعارض أو إن صح التعبير هذا النفاق، وهل تقرون بفصل الدين عن الدولة في الإسلام؟
– والله هؤلاء من كثرة ما حسدونا أرادوا أن يفسدونا فكتاب ربنا لازال محفوظا وسنة نبيه، فاليهود والنصارى حرفوا دينهم ولما وقعوا في شر أمرهم ظلوا وتاهوا و ووهنوا وضعفوا وغابت حضارتهم ولم يخرجوا من هذه الظلمات وهذا التخلف إلا بعدما استفادوا من علومنا واستبعدوا الكنيسة من حياتهم وهم اليوم يتحكمون في العالم، أما نحن فالعكس هو الصحيح، فلم يكن لنا ذكر بين الأمم إلا بعدما أعزنا الله بالإسلام وحينما تركنا ديننا أذلنا الله وتحولنا عبيدا في يد الغرب الذي استعمرنا لمدة قرون من الزمن ولا يمكن أن نستعيد عزتنا وكرامتنا إلا بالعودة إلى الإسلام الذي نظم حياة شؤون ديننا ودنيانا ولا فصل بين الدين والدولة في شريعتنا.
* ما هو تعليقك سيادة الشيخ حول المبادرة التي أقدم عليها السيد رئيس الجمهورية حول التعديل الجزئي للدستور والتي من خلال أكد على الثوابت الوطنية وحماية الذاكرة الوطنية ورموز الثورة من أي تشويه أو تحريف أو تدنيس.
– هذه بحق خطوة مباركة وما لا يختلف حوله اثنان هو ألا مواطن بلا وطن، ولا عزة لنا إلا بديننا ووطننا الذي ضحى من أجله الشهداء وبالمحافظة على تاريخنا ولغتنا وهذه بدون شك هي المقومات الأساسية لكل أمة، إذن لا عزة وحرمة لنا إلا بديننا وببلادنا وبمن أنقذ هذه البلاد من الاستعمار ومن الشرك، وبالتالي نسأل الله التوفيق لبلادنا وأعان الله كل من عمل لهذا الوطن بكل صدق ووفاء ورحم الله جميع الشهداء.
بعدما ختمنا لقاءنا بالشيخ محمد الشريف قاهر وعند توديعه لنا وهو بمكتبه بالمجلس الإسلامي الأعلى، حدثنا قائلا: إن ما تقومون به في وسائل الاعلام هو علامة وبشارة خير ودليل على أن أبناء هذا الجيل لازال متمسكا بهويته ووطنه وأن ما نقوم به هو صورة من صور التكريم لرجاله وأعلامه…رحمه الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه..