في حوار مطول، يكشف الرئيس المدير العام لمؤسسة “فيريتال” لمراقبة الملاحة الجوية والبحرية، منير شرماطي، حقائق وأسرار “العلبة السوداء” لأول مرة أمام الإعلام الجزائري، وأخطر حوادث النقل الجوي والبحري والبري، التي شغلت الرأي العام الجزائري، خلال الأشهر القليلة الماضية، وأثارت الكثير من الأسئلة حول مدى تحكّم شركات النقل الكبرى في تقنيات وآليات الأمن والسلامة، وهي المرادف للسيادة الوطنية.
ويتحدث المسؤول الأول على رأس “فيريتال”، في هذا اللّقاء، عن حقيقة حادثة اعتراض الدفاع الفرنسي لطائرة الخطوط الجوية الجزائرية، التي كانت متّجهة نحوى “ليون” الفرنسية منذ أسابيع. كما يكشف محدثنا حقائق جديدة عن ملابسات الحريق الذي أتى على جزء مهم من باخرة “طارق بن زياد” في عرض البحر، والأسباب الحقيقة وراء حوادث القطارات التابعة للشركة الوطنية للنقل بالسكة الحديدية.
حاوره: حسين لوني
- تضطلع مؤسسة “فيريتال” بمهمة المراقبة التقنية والأمنية، ومراقبة الجودة والخبرة في النقل الجوي، هل تعتمد المؤسسة على خبراء جزائريين، أم أنها تستعين بالخبرة الأجنبية
في مجال الطيران المدني، كل الكفاءات في مجال الطيران المدني جزائرية 100 بالمئة، هم مهندسون متخرجون من جامعات جزائرية، يخضعون لتكوينين محلي وآخر في الخارج، في المعهد الفرنسي للأمن الجوي، وهو معهد متخصص في التكوين في حوادث الطيران، ولدينا أيضا شراكة مع المدرسة الوطنية للطيران المدني في تولوز، وفي دول أخرى كهولاندا، كما نجري دورات تدريبية هنا بالجزائر، يلقيها خبراء مؤهلون، ذوو خبرة تفوق 20 سنة في هذا المجال، بمقتضى شهادة التأهيل للتكوين، التي تحوزها مؤسسة “فيريتال” من طرف الوزارة الوصية وسلطة الطيران المدني، ويبلغ عدد موظفي “فيريتال” 226، منهم 104 خبير، و16 خبير طيران.
- كيف يتم التحقيق في حوادث الطائرات؟
يتساءل المواطنون عن سبب الحوادث التي تحدث للطائرات الجزائرية، وبودي أن أعلمكم أن خبراء “فيريتال” يحققون حتى في أبسط الدقائق، وترفع تقارير يومية من أجل تفادي حوادث تمس حياة الناس وممتلكاتهم، وهذا من مسؤولية الدولة الجزائرية، عن طريق “فيريتال” المكلفة بهذه المهمة، وإن كان أغلب المواطنين لا يعرفون مهمة “فيريتال”، لكنها تقوم بمهامها على أكمل وجه.
ومنذ حوالي سنة 2000، الخبراء الجزائريون أصبحوا مؤهلين للقيام بالتحقيقات في حوادث الطائرات، إضافة إلى مهمة أخرى كلفت بها وزارة النقل مؤسسة “فيريتال”، ألا وهي مراقبة الطائرات الأجنبية التي تجوب المجال الجوي الجزائري، وتحط وقلع من مطاراتنا، في إطار المعاهدة الدولية لشيكاغو، وبرنامج SAFA-SANA، والتي بموجبها يخول لمؤسسات المراقبة التقنية الوطنية إذن المراقبة على الطائرات التي تجوب الأجواء الجوية لتلك الدول.
- كثيرا ما تنتهي التحقيقات في حوادث الطائرات بالجزائر بذكر أسباب عامة، مثل عطب في المحرك، أو يتم تعليق السبب على الأحوال الجوية.. لماذا لا تظهر نتائج التحقيق بشكل دقيق ومفصل؟
ما يمكنني قوله، إن كل ما يمس الطائرة، ولا أتحدث فقط عن الحوادث، يخضع لتحقيق وتقرير، وهذا بموجب القانون، ويبقى التحقيق جاريا، إلى أن تظهر النتائج النهائية للوقائع والحوادث، ولا تستثنى أي حادثة من هذا الإجراء الروتيني الضروري، فهناك عدة تقارير يتم إعدادها على عدة مستويات، فهناك التقرير الأولي الذي يعنى بالوقائع، ولا يمكن لأي خبير يحترم وظيفته أن يبدي رأيه إلا بعد صدور هذا التقرير، فالتقرير في نهاية المطاف لا تقتصر مهمته على تحديد المسؤول لمعاقبته، بل لكي لا يتكرر هذا الحادث مجددا.
وهناك أيضا التقرير المرحلي، ونعني به المرحلة التي وصل إليها التحقيق، 3 أشهر بعد الحادث أو 6 أشهر مثلا، ويليه التقرير النهائي. وفي هذا الإطار، تلزمنا المنظمة الدولية للطيران المدني بتقديمه بعد سنة من الحادثة، متى اجتمعت الأدلة، ويقدم إلى هيئة الطيران المدني، ووزارة النقل، ويمكن الرجوع إليه بكل شفافية.
ويمكنني أن أعلمكم، أن بفضل هذه التقارير المفصلة، استطاعت شركات الطيران، ومنها “الجوية الجزائرية” اجتناب حوادث أخرى أخطر بكثير. وتبقى الطائرة من وسائل النقل الأكثر أمنا بعد المصعد. وحسب الإحصاءات والاحتمالات، فحتى يتعرض مسافر لحادث طائرة، فيجب أن يعيش 250 سنة على أقل تقدير.
- على ماذا تعتمد تحقيقات الخبراء؟
يعتقد أغلب المواطنين أن كل طائرة تتعرض لحادث، فالمشكلة كانت أساسا على مستوى الطائرة قبل إقلاعها أو أثناء التحليق، وهذا ليس صحيحا دائما.. ولأعطيك مثالا على ذلك، يمكنك أن تستقل أكثر السيارات أمنا، والمزودة بأحدث تقنيات السلامة، لكن في حال عدم احترام قانون المرور يمكن التعرض لحادث، والمشكلة هنا حتما ليست في السيارة، بل في العامل البشري الذي لم يحترم إجراءات السلامة المرورية، ونفس الشيء بالنسبة إلى الطائرة.
وبالنسبة إلى لجان التحقيق، ففي الغالب هناك ثلاث لجان، اللجنة الأولى مهمتها التحقيق على مستوى المركبة (الطائرة أو الحوامة .. إلخ)، ولجنة ثانية مهمتها التحقيق في العملية الجوية، (تنظيم، برج المراقبة، الطيارون.. إلخ)، واللجنة الثالثة مهمتها التحقيق على مستوى النظام (العلب السوداء)، واللجان الثلاث تعمل بطريقة مستقلة، لا علاقة لأي واحدة باللجنتين الأخريين، باستثناء رئيس لجنة التحقيق الذي يطلع على مجريات التحقيق، إلى غاية إعداد التقارير النهائية، باجتماع اللجان الثلاث، وبكل شفافية ومصداقية.
وللعلم، فقد حققت في عدة حوادث لطائرات جزائرية وأجنبية، والأمر ليس سهلا إطلاقا.
ولأعلمكم، فأسباب حوادث الطائرات قد تغيرت، فبعد نشأة منظمة الطيران المدني سنة 1947، التي قننت عملية الطيران، أظهرت التحقيقات أن أغلب الحوادث التي سجلت من سنة 1950 إلى غاية 1970 كانت أسبابها تقنية بحتة، تتعلق بالطائرات، فقامت منظمة الطيران المدني بتعديل القوانين المتعلقة بالسلامة التقنية للطائرات. ومن سنة 1970 إلى غاية 1990، أصبحت جل الحوادث المسجلة التي تم التحقيق فيها، تعلّق أسبابها على العامل البشري، الطيارون أو التقنيون.. إلخ، فتم الاستثمار في الجانب البشري، سيما من جانب التواصل، وهذا ما دفعت إليه حادثة “تينيريف” بإسبانيا، حيث لم يستجب قائد الطائرة التابعة للخطوط الملكية الهولندية لمساعده، ما أدى إلى اصطدام طائرتين من طراز بوينغ 747 على أرضية المطار، مخلفا 583 ضحية.
ومن سنة 1990 إلى غاية اليوم، لم تعد الحوادث تسجل في أغلبها، لأسباب تقنية ولا بسبب العامل البشري، ولكن بسبب منظومة الطيران ككل، (منظمة الطيران المدني، منظمة المراقبة، المطار، شركة الطيران، برج المراقبة، الملاحة)، فأصبح الكل مسؤولا عن أمن الطائرات والمسافرين، فقديما كنا نقول إن الأمن هو مسؤولية الكل، لكن اليوم نقول إن الأمن هو مسؤولية كل فرد والجميع من دون استثناء، أفرادا وأنظمة داخل شركة الطيران وخارجها، بمن فيها المسافر.
في هذا الإطار أيضا، فقد اعتمدت هيئة الطيران المدني الجزائرية وكل مستخدمي خدمات النقل الجوي، نظاما أمنيا حديثا، يدعى “نظام الإدارة الأمنية PNS-SGS”، مهمته تحديد المخاطر واستشرافها والتنبيه إليها قبل وقوعها، وهو أحدث نظام أمني عالمي يستخدم في هذا المجال.
ومن هذا المنطلق، لا يستطيع إلا خبير مختص، وبعد انتهاء كل مراحل التحقيق، أن يذكر الأسباب الحقيقية لحادث الطائرة.
أضيف شيئا آخر.
- تفضل.
على المستوى العالمي، حتى ولو تم تسجيل معدل حادث مميت في أسبوعين، فهو مقبول وفق معايير السلامة العالمية، فنسبة المخاطر 0 غير موجودة، والطائرات الجزائرية من بين الطائرات الأكثر أمنا وسلامة عبر العالم، وهناك نظامان حديثان قللا من حوادث الطيران بشكل ملموس، يدخلان ضمن إطار أنظمة الإنذار المبكر، الأول هو EGPWS، وهو نظام ملاحة يعطي لقائد الطائرة تعليمات دقيقة عن مدى قربه من الأرض، وحتى الإجراءات الواجب اتخاذها من أجل تجنب أي حادث يعرض أمن الطائرة إلى الخطر. والثاني هو TCAS نظام الملاحة واجتناب التصادم، وهو ينذر الطائرتين باقتراب بعضهما من بعض، وكل الطائرات الآن مزودة بهذين النظامين الحديثين، و”فيريتال” مسؤولة عن التحقق من عمل هذه الأنظمة قبل كل عملية طيران وأثناءها.
- حدثنا أكثر عن العلبة السوداء والأسرار التي تحملها؟
تلزم القوانين الدولية للطيران المدني عامة، والقانون الجزائري الخاص بالطيران، جميع الطائرات المخصصة للرحلات التجارية بحمل جهازي تسجيل المعلومات الخاصة بأداء الطائرة، وظروف الرحلة أثناء الطيران.
فعلى متن كل طائرة علبتان بلون أحمر أو برتقالي عادة، تقعان عموما في مؤخرة الطائرة، تسجلان البيانات الّرقمية (السرعة، العلو، المسار، الوقت، بيانات المحركات… إلخ)، إضافة إلى تسجيل الأصوات في قمرة القيادة.
جميع الطائرات “الجوية الجزائرية” و”تاسيلي للطيران” مزودة بأحدث الأجهزة SSFDR بقدرة تسجيل آخر 25 ساعة من مدة طيران، وSSCVR لمدة آخر 120 دقيقة من مدة الطيران، وتخضع للفحوصات التقنية باستمرار من طرف خبراء الصيانة، وللمراقبة الدائمة من طرف “فريتال”، فيتم تحميل المعطيات من طرف الخبراء المحققين لـ”فريتال”، بالتعاون مع تقنيي شركة الطيران متى لزم الأمر، في إطار التحقيقات، على إثر أي حادث أو واقعة خطيرة، فيحتفظ به لدى المحققين طوال التحقيق، ويعاد لشركة الطيران عند الانتهاء.
- هل يملك موظفو “الجوية الجزائرية” المؤهلات والخبرة لمواكبة هذه الأنظمة الحديثة؟
الجوية الجزائرية لديها كفاءات من أهل الاختصاص، جد محترمة، سواء من الناحية التقنية، أو ما يتعلق بقيادة الطائرة، فكلهم إطارات ذوو كفاءة ومستوى عالمي، يشرّفون “الجوية الجزائرية”، التي هي مؤسسة سيادية تمثل الدولة الجزائرية.
- تعرض قبل أسابيع سلاح الجو الفرنسي لطائرة جزائرية قادمة من قسنطينة نحو ليون.. ما تعليقكم على هذه القضية؟
الجوية الجزائرية لا لوم عليها، والقضية أصلا بسيطة جدا تم تضخيمها وتهويلها، من أجل زعزعة هذه المؤسسة الوطنية. وما حدث مؤخرا، هو إجراء روتيني عادي جدا يحدث عادة، سيما بعد حادثة الطائرة اليونانية “إليوس”، التي وقعت بتاريخ 14 أوت 2005، حيث فُقد الاتصال بالطائرة، فاعترضتها المقاتلات اليونانية، لتتأكد من عدم تعرض الطائرة للاستيلاء من منظمة إرهابية، وكان السبب حينها تقنيا، حيث تعرض طاقم الطائرة والركاب للاختناق وأغمي عليهم، فتولى أحد الركاب من الطاقم التجاري القيادة. وابتداء من هذا التاريخ، فكلما فُقد الاتصال بطاقم الطائرة، يتم تفعيل هذا الإجراء الروتيني الاعتيادي…
وبالنسبة للطائرة الجزائرية، فالسبب الذي يمكن ترجيحه، أن هناك ترددات يتم ضبطها للتواصل مع أبراج المراقبة، تختلف من منطقة إلى أخرى، ويتم الاتصال بهذه المراكز عبر ترددات معلومة. وحسب شهادة قائد الطائرة، فقد أجرى الاتصال مع برج المراقبة الفرنسي، بطريقة اعتيادية، وحتى لو كان هناك تأخر، فالطائرة أجرت كل اتصالاتها السابقة في الوقت والمكان المحددين، ولم تخرج عن مسارها، وهو ما يمكن التأكد منه عبر الرادارات، وبالتالي فالمسألة من أساسها ضُخمت وأعطيت أكثر من حجمها الطبيعي، ومع ذلك لا يمكن إصدار الحكم -كما أسلفنا سابقا- حتى يتم إعداد التقرير النهائي، وهو ما طالب به الطرف الجزائري. ولكن ما يمكن تأكيده، أن الطائرة الجزائرية كانت في أحسن الظروف التقنية، ونظامها كان سليما وشغالا مئة بالمئة، والطاقم كفء ذو خبرة لا غبار عليها، والتحقيق وحده ما سيثبت سبب ما حدث، طبعا ليس لمعاقبة أحد، ولكن لتجنب مثل هذه الأمور مستقبلا، وبشكل نهائي.
- في الإطار ذاته، هل يمكن القول إن هناك حملة ضد “الخطوط الجوية الجزائرية”؟ وإن كان الأمر كذلك ففي صالح من؟، وما الجهات التي تقف وراءها؟
من منطلق كوني مواطنا، قبل أن أكون الرئيس المدير العام لشركة المراقبة، لا ينبغي التخندق ضد مؤسسات الدولة لضرب مصداقيتها لصالح الشركات المنافسة، ومن منصبي هذا، يمكنني أن أشهد أن “الجوية الجزائرية” على المستوى الأمني، قد عرفت تحسنا ملحوظا، أما الأمور الأخرى المتعلقة بالتأخرات وما يشبه، فلست في مقام يسمح لي بالحديث عنه. أتحدث عن كل ما يتعلق بالأمن، “الجوية الجزائرية” تطورت وتحسنت كثيرا، ولم نعد نشهد تلك الأخطاء والحوادث القديمة، مثل الخروج عن المسار، والأخطاء البشرية الأخرى، وحتى بمقارنتها مع خطوط دولية أخرى، لدينا حقا ما نفخر به. ويمكنني أن أذكر لك أن طائرة أوروبية من نوع “أربيس 380” فقدت أحد محركاتها في الجو، فكيف تناول الإعلام الأوروبي هذه الحادثة؟. “الطاقم ينقذ طائرة من السقوط ويجنب الكارثة”، لأن المسألة مسألة انتماء ووطنية قبل كل شيء، والخطوط الجوية تبقى في نهاية المطاف مؤسسة جزائرية تمثل سيادة الدولة، والانتقاد البناء يبقى مرحبا به، عكس الحملات المغرضة التي تزهّد وتهرب المسافر من “الجوية الجزائرية” لصالح شركات أخرى منافسة.
- ما طبيعة العلاقة التي تربطكم بالجوية الجزائرية؟
بصريح العبارة، علاقة جيدة جدا، لأن هدفنا واحد ووحيد، ضمان الأمن والسلامة في كل الرحلات الداخلية والخارجية، رغم أن هدف “الجوية الجزائرية” يبقى النقل أساسا، لكن السلامة والأمن هو معيار كل الرحلات، والعلاقة بيننا مبنية على التعاون التام، لأننا نبحث دائما عن الحقيقة، وهم ليس لديهم ما يخفونه.. وحتى الزيارات الفجائية مرحب بها على الدوام، والمعايير هي دولية صارمة، وهي نفسها معايير منظمة الطيران المدني، فلا مجال للمحاباة.
- بلغة الأرقام، حدثنا عن عدد الطائرات التي تمت إحالتها على الحظيرة؟
الحالات الوحيدة التي تحال خلالها الطائرات على الحظيرة، هي حالات شطب الطائرة، وباستثناء ذلك، نحاول دائما صيانة الطائرة، إلا إذا كلفت الصيانة قيمة أكبر أو تساوي كلفة الطائرة. وفي هذا الإطار، يتم صيانة الطائرات دوريا، وتحسينها وإجراء بعض التعديلات عليها. أما فيما يخص عدد الطائرات المشطوبة من سجل الترقيم الجزائري، فمن سنة 1990 إلى غاية 2013 بلغ 71 طائرة، منها 49 خاصة بنقل المسافرين والبضائع وجلبها، وأغلبها من صنع السبعينات.
- هل يمكن للخواص اقتحام مجال النقل الجوي.. وكيف يتم التعامل معهم من حيث معايير السلامة والأمن؟
فيما يخص إمكانية فتح المجال الجوي للخواص، فآخر قرارات السلطات العموميةتتجه في إطار الموافقة على منح تصريحات في أقرب الآجال، في إطار النقل الجوي للشحن والبضائع.. وفي المستقبل القريب، سيفتح المجال للخواص لاقتحام مجال الملاحة الجوية.. وفي ما يخص الشركات التي ستمنح لها تصريحات بهذا الخصوص، فيجدر الإشارة أنها ستخضع لنفس الشروط والمعايير التي تخضع لها الشركة العمومية، لا أكثر ولا أقل. وفي هذا المجال، لدينا خبرة في مراقبة شركات خاصة، مثل إيكوير، وصحراء للطيران، وأونتينيا وخليفة إيروايز. وبالتالي، في القريب العاجل، سنرى شركات خاصة في مجال النقل الجوي. وحتى بالنسبة إلى الخواص، فكل من يستطيع اقتناء طائرة، يمكنه تقديم ملف إلى هيئة الطيران المدني بهذا الخصوص.
وأريد الإشارة أيضا أن الخواص يعملون الآن في مجال الملاحة الجوية، مثل إير-إيكسبريس، وشركة ستار-أفياسيون، وهناك حتى مدارس خاصة لتعليم القيادة، مثل أوراس آفياسيون وأتياس، وكلها شركات جزائرية.
- قبل نهاية السنة الماضية، شهدت باخرة طارق بن زياد حريقا مهولا، أدى إلى احتراق 30 سيارة، إضافة إلى أجزاء كبيرة من الباخرة، وهناك من يتحدث عن مفرقعات كانت محملة على متن إحدى السيارات، ما تعليقكم على هذه الحادثة؟
الكلام نفسه الذي قلته آنفا أعيده على مسامعكم، فالتحقيق جار إلى غاية الآن، ولدينا خبير من مؤسسة “فيريتال” مكلف بهذا الملف، وزار موقع الحادثة، ولا يمكننا الجزم بتأكيد أو نفي هذه “الإشاعات” قبل انتهاء التحقيق.. ولا يمكنني الإدلاء بأي تصريح ما لم ينته التحقيق ويفصل في سبب الحريق، ولكنني أعرف مستوى المحققين، ويمكنني أن أخبركم أنهم الأفضل، وتقريرهم سيكون تقريرا متكاملا، والتحقيقات لن تطول. وحسب المعلومات التي بحوزتي، فلعلمكم أن طاقم الباخرة تصرف بكل احترافية، ويستحق العلامة الكاملة، وبفضله جنب الباخرة ما هو أسوأ، وهو الغرق!، والحمد لله، الخسائر كانت محدودة، ولم تسجل خسائر بشرية، وهذا هو الأهم. وبالنسبة إلى نظام الأمن، فهناك ثلاثة حلول لتقليل نسبة المخاطر RISQUE، أولها العامل التكنولوجي، والعامل التكويني المهاري، وعامل الإجراءات، وكل هذه المعايير كانت متوفرة على متن هذه الباخرة، وكل هذه العوامل يتم التحقق منها عبرة خارطة طريق وقائمة معدة خصيصا لهذا الغرض.
- تزايدت حوادث القطارات في الآونة الأخيرة، سيما ما يتعلق بانحرافها عن السكة، وهناك تقارير تتحدث عن 300 حادث انحراف في الخمس سنوات الأخيرة.. إلى ماذا يرجع هذا الأمر؟
ليكن في علمكم، أنه في الآونة الأخيرة، طلبت الشركة الوطنية للسكك الحديدية، وكذا الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية، من مؤسسة “فيريتال”، دعمها بإجراء خبرات فيما يتعلق بإجراءات السلامة والأمان التقنية. أما ما يتعلق بالحوادث، فنحن في الجزائر في وضع أفضل من دول أوروبية وعربية كثيرة، فالحوادث ليس كثيرة، وليست خطيرة أيضا، لكننا نعمل تحت سلطات وزارة النقل، لتكثيف إجراءات الأمان والوقاية، لأنها في الأصل موجودة، لكننا نعمل معا لتطويرها على الشكل المطلوب. وفي هذا الإطار، بدأنا في فحص السكك والقاطرات، وتصدير الخبرة التي اكتسبتها “فيريتال” في ميدان الملاحة الجوية، إلى قطاع النقل البري بالسكك الحديدية، وقريبا –بحول الله- سيكون هناك أثر ملموس، سيما مع القطارات الجديدة التي جلبتها الجزائر مؤخرا، وعزم السلطات توسيع شبكة السكك الحديدية. أما فيما يخص الحوادث الأخيرة، فترجع أساسا للعامل البشري، والمتمثل في السرعة المفرطة، وليس على مستوى القطارات أو السكك.
- ما المجالات الأخرى التي تعنى بها مؤسسة “فيريتال”؟
“فيريتال” هي المؤسسة المسؤولة عن إجراء الخبرة على “بودرة” الحليب، فالحليب الذي تنتجه مؤسسة إنتاج الحليب ومشتقاته يمر عبر “فيريتال”، وتتحقق من نوعيته وجودته عبر خبرائها المختصين في هذا المجال، كما يمكنهم التحقق وإجراء الخبرة على منتوجات غذائية أخرى تحت الطلب، كما هو الحال مع المؤسسة العمومية للتغذية وتربية الدواجن. كما تعد “فيريتال” هي المسؤولة عن مراقبة صيانة وأمن المصاعد ASCENSEUR والمصاعد الهوائية TÉLÉPHÉRIQUE. كما يمكننا إجراء الخبرة التقنو-مالية، وذلك عن طريق خبراء قضائيين محلّفين.
هذا، بالإضافة إلى تكوين محكمين دوليين، وقد قمت شخصيا بتكوين 5 خبراء في التحكيم، لكي يشاركوا المحققين الدوليين في كل أطوار التحقيق ومجرياته، حتى نضمن المشاركة، والوقوف الند للند أمام باقي المحكمين الدوليين.
- ما محل “فيريتال” وما وزنها مقارنة بمؤسسات الرقابة التقنية العالمية الأخرى؟
حتى أجيبك عن هذا السؤال، أريد الإشارة إلى أن منظمة الطيران المدني OACI، قامت بزيارة تفتيش وتدقيق فجائية سنة 2011 لمنظومة الطيران المدني الجزائرية، وكان تقريرها النهائي بصريح العبارة: “نهنئكم أن لديكم مثل مؤسسة “فيريتال” في الجزائر، سواء من حيث التنظيم، والكفاءة، والدور الذي يؤديه خبراؤها”، ولدينا التقرير يمكنكم الاطلاع عليه.
- ماهي طموحاتكم وآفاقكم لسنة 2018؟
نطمح لتعزيز مكانتنا في الملاحة الجوية أكثر وأكثر، مع مواكبة التطورات التكنولوجية والخبرة العالمية، وقد أعددنا ملفا كاملا متكاملا، وننتظر الموافقة من وزارة النقل والأشغال العمومية، ومديرية الملاحة البحرية، ومنحنا الاعتماد كمؤسسة وطنية جزائرية مئة بالمئة، لمراقبة السفن والبواخر، فمن قبل كنا نقوم بالعمل مع الشريك الفرنسي “فيريتاس” منذ الاستقلال.. واليوم نحن مستعدون للتكفل بهذه المهمة، وننتظر فقط الموافقة لمباشرة العمل.
- كلمة أخيرة؟
أشكر مجلة “الحوار” على منحي هذه الفرصة لتسليط الضوء على بعض النقاط حول مؤسسة “فيريتال” وشركائها، وللتوضيح للرأي العام أن الدولة ساهرة على حماية المواطن وممتلكاته، عبر مؤسسات جزائرية 100 بالمئة، فلا يمكن تحقيق نجاعة اقتصادية دون خبرة وطنية، وهذا ما تسعى السلطات لتحقيقه عبر الاستثمار في الإنسان.
هذه هي مهام مؤسسة “فيريتال” الجزائرية
هي مؤسسة وطنية عمومية، اقتصادية ذات أسهم، أسست سنة 1989 بمقتضى مرسوم وزاري، كمؤسسة مشتركة، فإلى غاية تاريخ إنشائها، كان مكتب “فيريتاس” الفرنسية هو الشركة المسؤولة عن إجراءات السلامة والأمن الجوية والبحرية، لتستأنف بعد ذلك “فيريتال” الجزائرية، هذه المهمة، تقنيا وإداريا.
مؤسسة ميناء الجزائر EPAL، مؤسسة الملاحة الجويةENNA ، الشركة الجزائرية للتأمينات CAAT، والمؤسسة الوطنية للمراقبة التقنية ENACT.
ومهمتها الأساسية هي المراقبة التقنية والأمنية ومراقبة الجودة والخبرة في النقل الجوي، حيث تخضع كل الطائرات المدنية المرقمة في الجزائر للمراقبة التقنية، بفضل خبراء مؤهلين لهذا الغرض بشكل يومي، ومراقبة شاملة وكل ستة أشهر، ومراقبة أخرى أعمق كل سنة، لتسلم لها “شهادة صلاحية الملاحة الجوية”، التي تمنحها مديرية الطيران المدني والأرصاد الجوية، بعد أن يمضي خبير “فيريتال” على التقرير المخصص لذلك، والذي يشمل المراقبة والتأكد من صحة الوثائق من ناحية قانونية، وفي شقه الثاني حالة الطائرة وكل وسائلها التقنية.
إضافة إلى المراقبة اليومية التي تخضع لها الطائرات، وبمحض الصلاحيات الممنوحة للخبير، بإمكانه إلغاء شهادة الصلاحية، حسب حالة الطائرة، إذا كانت في حالة لا تسمح لها بالتحليق. كما تخضع الطائرات للمراقبة الدائمة أرضا وجوا، وتسجل كل الملاحظات خلال الرحلات الجوية.
وتعد “فيريتال” المؤسسة المسؤولة عن التحقيقات في حوادث الطيران، يقوم بها خبراء مكونون في هذا المجال. ويكلف خبراء “فيريتال” أيضا، بمعاينة الطائرات التي تقتنيها شركات الطيران، ومن بينها “الجوية الجزائرية”، بمراقبتها وإجراء الخبرة الشاملة عليها، لتعطى الموافقة المبدئية على الطائرة دون الطاقم المعيّن، وقد تسحب هذه الموافقة في حال وجود أي خلل يهدد سلامة المسافرين.
كما لدى “فيريتال” خبراء مختصون في التدقيق الفجائي لكل أنواع الطائرات، ولكل خبير طائرات معينة يتم التحقق من وثائقها وحالتها ومدى مطابقتها، سواء في الأربيس أو البوينغ أو الآتيار، ويتم إعلام مؤسسات الطيران بحالة الطائرة من الناحيتين، القانوينة والتقنية.
ونفس الشيء بالنسبة إلى الملاحة البحرية، هناك خبراء مؤهلون ذوو خبرة، يمارسون مهامهم على أكمل وجه. وإلى غاية 2014، كان خبراؤنا يقومون بنفس المهام، مع شركة “فريتاس”، لكن المؤسسة أرسلت ملفا كاملا من أجل أن تتمكن “فيريتال” من القيام بهذا الإجراء، وهو ما نأمل أن يتحقق قريبا.
كما تعنى مؤسسة “فيريتال” بمراقبة حوامات الأمن الوطني، وطائرات وحوامات الحماية المدنية، بالإضافة إلى التعاون التام مع قيادة القوة الجوية الجزائرية.