تعيش الجزائر هذه الأيام حالة من الخوف والترقب بسبب لعبة “الحوت الأزرق” المحرضة على القتل، والتي تواصل شنق أطفالنا بدم بارد،..الظاهرة باتت محيرة وتبعث على القلق، ومخاوف الأولياء في تفاقم مع تزايد عدد الضحايا، بينما ينتظر من السلطات المختصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية، اتخاذ إجراءات رادعة لحجب هذه اللعبة عن الفضاء الأزرق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بلغ عدد ضحايا الحوت الأزرق في الجزائر 5 أطفال في أقل من شهر، فبعدما شهدت مدينة سطيف لوحدها انتحار 3 أطفال، أحدهما في الـ 15 والثاني في التاسعة من عمره أقدما على شنق نفسيهما بحبل، وقبلهما ضحية أولى يبلغ من العمر 11 سنة قضى شنقا هو الآخر داخل غرفته، ..جاء دور المراهقين اللذين انتحرا شنقاً بولاية بجاية، يدرسان في نفس الثانوية بدائرة “سيدي عيش” التابعة لولاية بجاية، وهما “بلال” و”فيروز” البالغان من العمر 16 سنة، وآخر محاولة كانت لطفلة من مدينة ميلة تم إنقاذها من طرف والدها في آخر لحظة..ولاستطلاع ظاهرة اللعبة القاتلة التي تحولت إلى حديث العام والخاص، ارتأينا الخوض مع مجموعة من الأخصائيين في المجال.
يونس قرار مختص في الإعلام وتكنولوجيات الاتصال لـ”الحوار”:
احتمال ضلوع طائفة دينية متطرفة في لعبة الحوت الأزرق
أكد يونس قرار مختص في تكنولوجيات الاتصال، أن لعبة الحوت الأزرق التي جاءتنا من روسيا، قد خلفت في هذا البلد لوحده قرابة 130 ضحية انتحار، وحتى في أمريكا وفرنسا ضحاياها لا يعدون، وهي لعبة للأسف كسائر الألعاب سهلة الوصول إلى يد الأطفال، بالإضافة إلى كونها مغرية ومليئة بالإثارة والتحديات، وهذا هو عامل الجذب الذي خول لها استقطاب شريحة واسعة من الأطفال، نحمد الله أنهم لا ينساقون كلهم وراء أوامرها، وإلا لكان عدد المنتحرين أكثر بكثير، فالعديد منهم لا يستوفي الـ50 يوما، لأنها تبدأ بتحديات بسيطة وتتعقد كل يوم أكثر لتصل إلى مرحلة الانتحار.
وحذّر قرار في تصريحه لـ”الحوار” من احتمال انتماء من يقف وراء لعبة الحوت الأزرق إلى طائفة دينية متطرفة، حيث يظهر أنها تعمل على شكل شبكة منظمة لديها قناعات دينية، كأن تطلب ممن يود تجريبها جرح يده لرسم حوت وإرسال صورته إليهم، كما أنهم يستعملون كلمة “أنت من المختارين” للتأثير على اللاعبين، وهذه الكلمة تحمل في طياتها أيضا إيحاءات دينية. وللأسف، أضاف المختص أن الفئات الهشة من الأطفال أكثر انسياقا وراء هذه اللعبة وهم أيضا أول ضحاياها.
وأشار قرار إلى أن مسألة حجب لعبة الحوت الأزرق ممكنة نسبيا، كأن نعمل على تعطيل مفاتيح كلمات البحث، وهو ما سيعيق عملية البحث، أما محرك البحث غوغل، فمن غير الممكن تعطيله لأنه شركة أمريكية تؤمن بالحريات وأكثر ما يهمها هو العائد المادي ولا تأبه لمسألة انتحار الأطفال، أما الحجب النهائي فيعتمد على خطوات قانونية على مستوى واسع للضغط على محرك البحث غوغل،..والمشكلة، أضاف الأخصائي، أنه حتى ولو وصلنا إلى ذلك يبقى تسريب اللعبة ممكنا، لذا علينا عدم التركيز على حجب اللعبة لحماية الأطفال بل اللجوء إلى الوسائل التربوبة والرقابة التي تعد أضمن وسيلة، خاصة للأطفال الذين يتميزون بالهشاشة النفسية.
عبد الرحمن عرعار رئيس شبكة ندى لـ”الحوار”:
التفكك الأسري وراء انتحار الأطفال و”الحوت الأزرق” مجرد وسيلة
حذر عبد الرحمن عرعار من وصول لعبة “الحوت الأزرق” إلى الفئات الهشة من الأطفال التي تعاني من النزاعات العائلية ومن انعدام الحوار داخل الأسرة، لأنها الفئات المعنية بظاهرة الانتحار، وما لعبة الحوت الأزرق إلا وسيلة لإفراغ شحنات الغضب والاستياء من واقع هؤلاء الأطفال.
وأضاف عرعار في تصريحه لـ”الحوار” بأن شبكة ندى كانت قد حذرت من خطورة التكنولوجيا على الأطفال، حيث تعتبر حالات الانتحار بسبب لعبة الحوت الأزرق مجرد نقطة في بحر من المخاطر التي تحدق بالأطفال بسبب التطور التكنولوجي الرهيب وأجهزة الهواتف الذكية التي وصلت إلى أيديهم في ظل غياب رقابة فعلية للأولياء، مشيرا إلى أن ما يحدث في المنظومة الإنسانية يصل إلى أطفال الجزائر حتما، فالعالم تحول اليوم إلى قرية صغيرة ومن غير الممكن إبقاء أطفال الجزائر في مأمن من تأثيرات العالم الافتراضي.
والمطلوب اليوم ليس فقط حجب مثل هذه المواقع والألعاب الخطيرة، وإنما إنشاء منظومة اجتماعية قوية وواعية لدرء المخاطر عن أطفالنا، وما أكثرها من مخاطر تتعلق بالعنف والتحرش والاعتداءات والاختطاف والألعاب الخطرة، وكلها من إفرازات التكنولوجيا، وللأسف أن الأطفال الذين تحولوا إلى عباقرة في التكنولوجيا كثيرا ما يصطدمون بأولياء يجهلون هذا العالم.
والخطر كل الخطر، حسب محدثنا، ناجم عن الضغوط النفسية والعائلية ومن إفرازات العنف الذي يتعرض له بعض الأطفال، والذي يؤدي بهم في النهاية إلى الوقوع فريسة لمثل هذه الألعاب الخطيرة.
وأضاف عرعار “أنا برأيي أن نزعة الانتحار كانت موجودة أصلا لدى هذه النماذج من الأطفال الخمسة الذين بلغ بهم المبلغ إلى حد الانتحار، وهذا ما سيخبرنا عنه التحقيق، لأن الأطفال لا يعرفون شيئا عن الانتحار ومن الصعب عليهم اتخاذ خطوة الانتحار إذا لم تكن لذلك أسباب قوية كامنة”.
أما الحل الجذري، فتقع مسئوليته حسب عرعار على منظومة حماية الطفل كاملة بدءا من الأسرة ومرورا بالمدرسة والفضاء العمومي، حيث يجب ضبط آليات لحماية الطفل من مختلف المخاطر، وهذه الأخيرة عليها تبني برامج الترفيه وعدم تركه للفراغ وللهواتف الذكية، وبرأيي حتى بعد حجب اللعبة عبر الفضاء الأزرق لن يقضي على المشكلة، فأطفال اليوم لديهم من المهارات ما يؤهلهم إلى إيجاد مفاتيحها مجددا وبكل سهولة.
أحمد خالد رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ:
وزارة التربية غير معنية والمسئولية تقع على أجهزة محاربة الجريمة الإلكترونية
أكد أحمد خالد رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات أولياء التلاميذ، أن وزارة التربية غير معنية بقضية لعبة الحوت الأزرق، مشيرا إلى أن المسئولية تقع بالدرجة الأولى على الأولياء، ثم على الهيئات الأمنية المختصة في الجرائم الإلكترونية التي عليها اتخاذ تدابير وإجراءات أمنية مستعجلة للحد من ضحايا هذه اللعبة، مشيرا إلى أن عدد الضحايا مؤهل للارتفاع في أوساط التلاميذ، خاصة وأن الهواتف الذكية صارت في متناول شريحة عريضة من الأطفال.
وأضاف ذات المصدر، أن من واجب الأولياء حجب الهواتف الذكية عن الأطفال دون سن الـ12 سنة، أما داخل المؤسسات التعليمية فأمر الرقابة صعب، وأعوان الرقابة ليس بإمكانهم فرض هيمنتهم على كل التلاميذ، لذا لا يجب الاتكال عليهم في هذا الأمر بالتحديد.
وحمل أحمد خالد مسئولية أرواح الأطفال للأجهزة المختصة في الجرائم الإلكترونية التي دعاها إلى اتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الأخصائي النفساني كمال مساسط لـ”الحوار”:
اللعبة تستخدم أساليب نفسية معقدة لتحريض الأطفال على الانتحار
أكد الأخصائي النفساني كمال مساسط، أن لعبة الحوت الأزرق باتت تتحكم في عقول الأطفال وتدفعهم إلى سلوكيات خطيرة اعتمادا على طرق نفسية وبرمجة لغوية عصبية لتدمير المقاومة لدى الطفل أو المراهق وفرض السلطة عليه، بحيث يصير الشخص غير قادر على الرفض منطوٍ منعزل عن المجتمع.
ومع الحشو المستمر للرسائل الخفية يتبرمج العقل الباطن من دون وعي من الطفل ممهدا لدخول عالم المرض النفسي كالشعور باليأس والإحساس بالذنب والقلق والاكتئاب.
وأشار الأخصائي، أن اللعبة تستخدم أساليب نفسية معقدة للتأثير على الحالة النفسية والاجتماعية وأيضا تحرض على الانتحار وقتل النفس حيث تأخذ اسمها من ظاهرة انتحار الحيتان الزرقاء.
وتكمن السيطرة على الشخص من خلال التعود والتبعية من خلال الأوامر والتحديات بين اللاعبين، خاصة أن الشباب والأطفال في هذه المرحلة محبين للتحدي وإبراز الذات وخوض التجارب الجديدة التي يمارسون فيها أدوارا تجعلهم يشعرون بالبطولة وإمكانية تجاوز الواقع، الأمر الذي يعطيهم لذة ومتعة وقتية ويوفر لهم فرصة للهروب من الواقع والذي يتحول مع الوقت إلى تقمص لشخصيات بديلة والعيش ضمن عالم افتراضي.
ولأن بدايتها بسيطة وغير مضرة فإن مع مرور الوقت تبدأ اللعبة بإعطاء أوامر وطلبات غريبة والتي تنتهي بوضع حد للحياة.
وحذر كمال بقوله “من المؤكد أن دائرة الضحايا في الجزائر في اتساع في ظل تخاذل عدد كبير من الآباء والأمهات وعدم تعاطيهم الجدي مع سلبيات هذه الوسائل وتأثيراتها أو حتى مع لعبة، بدايتها سعادة ونهايتها كابوس ونفق مظلم.
ولأن الألعاب الإلكترونية بشكل عام مدمرة لدماغ الطفل، وتؤدي بالكثيرين إلى الإدمان، الذي ينتج عنه قلّة النوم وانعدام التركيز وقتل الأحاسيس والانفعالات وغيرها من التبعات التي يكون لها تأثير على صحة الطفل، عضويا ونفسيا، وبالتالي اختلاط الواقع بالخيال مما يؤذي إلى إيذاء النفس دون التفكير في العواقب وهو ما يؤكد على ضرورة وأهمية المراقبة والمرافقة والتوجيه الأبوي المستمر للطفل.
تصريحات صادمة لمخترع “الحوت الأزرق” تثير الجدل:
ضحايا لعبة الحوت الأزرق.. مجرد نفايات بشرية
أثارت تصريحات صاحب تطبيق “الحوت الأزرق” الذي اعتقلته السلطات الروسية، شهر ماي الماضي، ويدعى فيليب بوديكين (21 سنة)، الكثير من الجدل، خاصة بعد وصفه في اعترافاته، ضحاياه من مستخدمي لعبة الحوت الأزرق، بـ”النفايات البشرية” وبـ”الأغبياء الذين يجب تخليص العالم منهم”.
ومن ضمن اعترافات بوديكين، أنه شجع أكثر من 16 فتاة على الانتحار من خلال لعبة «الحوت الأزرق»، حسب صحيفة “الحياة” اللندنية، كما استدرج 15 مراهقاً وأقنعهم بالإقدام على الانتحار، وكان يطلب منهم مسح كل المحادثات التي أجريت بينه وبينهم، ما يترك الشرطة من دون أي دليل ملموس ضده، إلا فتاة انسحبت من المرحلة الأخيرة، سلمتها للشرطة ما أتاح القبض عليه.
وفي مقابلة له مع إحدى الصحف الروسية، نفى بودكين علاقته بمقتل 130 شخص، ولكنه اعتبر أن هناك نوعين من البشر «البشر، والنفايات البيولوجية وهي الفئة من الناس التي لا تقدم أي قيمة للمجتمع، وتسبب أو ستسبب الضرر له في المستقبل». وأضاف: «كنت أعمل على تنظيف المجتمع من هؤلاء الناس.. كان من الضروري تمييز البشر العاديين عن النفايات البيولوجية».
روبورتاج: سامية حميش