بقلم: مهنة أمين
ليسانس في علوم الإعلام والاتصال
جامعة سوق أهراس
لقد أكد العديد من الباحثين والدراسين على نهاية زعامة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم، فهي سائرة لا محالة إلى التفكك والتحلل على غرار الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس، داخل سياق لا ينفك عن العوامل التاريخية والحضارية التي تتحكم في شروط تصاعد وهبوط القوى الأمبراطورية.
إن فقدان الإمبراطورية الأمريكية مركز الريادة العالمية حتمية تاريخية تفرضهاعوامل نشوء الإمبراطوريات وأسباب سقوطها وأسس الدورة الحضارية وقوانين التاريخ التي عبر عنها علماء الاجتماع، فكل إمبراطورية لديها صيرورة تاريخية معينة تبدأ بنقطة الميلاد التي يتم من خلالها الظهور ونقطة النهاية التي تنتهي عندها في الأفول، ومثل كل نظام فإن للإمبراطورية دورة حياة عضوية: تلقيح وحمل و ميلاد وطفولة ومراهقة وبلوغ وشيخوخة وموت.
وعلى هذا الأساس، فإن الإمبراطورية الأمريكية بعد أن لقحتها الإمبراطورية البريطانية نضجت ومارست ما تعلمته من مهارات إمبريالية على المواطنين الأصليين، ثم خرجت إلى العالم بتدخلات عسكرية بغرض تحديد مناطق منافعها، ثم توسعت في أرجاء العالم، وهي الآن في طور الشيخوخة وتنوء بمهام الحفاظ على الهيمنة العالمية، حيث أكدت التحليلات التي أجراها معهد “تشتمهاوس” البريطاني (المعهد الملكي للشؤون الدولية Chatham house) بأن الزعامة الأمريكية للعالم باتت موضع شك، حتى وإن قال الرئيس باراك أوباما في خطاب التنصيب ” نحن مستعدون لأن نقود العالم مرة أخرى “.
إضافة إلى ما أورده ” ألفريد ماك كوي”، خبير المستقبليات في الجامعات الأمريكية، إلى الجزم بأن “القرن الأمريكي الذي بشر به بشكل احتفائي جدا مع بداية الحرب العالمية الثانية، سيضمحل وينطفئ “، ويؤكد كذلك ” جيرار شاليان”، الكاتب الفرنسي المتخصص في العلاقات الدولية ” إلى تراجع الهيمنة الأمريكية على العالم شرقا وغربا، وأنها بصدد فقدان الريادة العالمية “.
وتعد أحداث 11 /09 /2001 نقطة تحول فاصلة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية ونهاية اعتبارها قوة عظمى تهيمن على العالم، لقد دفعت الأحداث بالولايات المتحدة الأمريكية إلى غزو أفغانستان واحتلال العراق من دون تخويل من مجلس الأمن الدولي في خطوة تاريخية غير مسبوقة في مسار العلاقات الدولية، أو على حد تعليق يوشكا فيشر أستاذ مادة الاقتصاد السياسي الدولية بجامعة برينستون، في الولايات المتحدة الأمريكية: “إن لهذا الاعتداء على الأغلب آثارا غير محسوبة على سيكولوجية هذه الدولة”.
فقد عمد مؤيدوا الحرب من اليمين المسيحي في الولايات المتحد ة الأمريكية إلى تمويل حروبهم الاستباقية ضد الإرهاب على حسب تعبيرهم في كل من أفغانستان والعراق، بشكل أساسي عن طريق الاقتراض مما أدى إلى تحول مؤثر في الميزانية التي عانت من عجز بلغ 407 مليار دولار سنة 2009، ونتيجة للعجز الكبير في الميزانية تضاعف الدين الوطني الأمريكي إلى ما يقدر بـ 10.4 ترليون دولار في السنة المالية 2009، وتوقع خبراء أن تتسبب موازنة عام 2011 بعجز يقارب 10 تريليونات دولارعلى مدى 10 سنوات.
إن تاريخ العلاقات الدولية يعلمنا بأن جل الامبراطوريات التي لها مصالح واسعة النطاق تشهد الامتداد الزائد، أي الفارق بين الامتداد المصلحي والقدرة على حماية المصالح، وهذا ما طرأ على الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد فجوة بين هذا الامتداد وبين القدرة على الحماية مما شكل لها عبئا يمثل المقدمة الأولى لدورة الانحسار الإمبراطوري، أو ما يسميه بول كيندي ” الترهل الإمبراطوري ” أو الإفراط في التوسع الإمبريالي بمعنى أن صناع القرار في واشنطن يجب أن يواجهوا حقيقة غريبة ومستمرة مفادها أن إجمالي المصالح العالمية الأمريكية والالتزامات يعد اليوم أكبر بكثير من قدرة الدولة على الدفاع عنها جميعها في وقت واحد.
ستظل الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بقدر من القوة لا تتمتع به أي دولة أخرى على الساحة الدولية في الوقت الراهن، إلا أنها لن تستطيع فرض هيمنتها علي المجتمع الدولي مرة أخرى، إلا أن التنبؤ بعملية انتقال مركز القوة العالمية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة أخرى لتحل محلها في مركز الريادة العالمية يظل تساؤلا مطروحا للتفكير والدراسة في ظل التغيرات التي تعرفها الساحة الدولية.
______________________________________________________
المصادر:
1 – د. سرمد زكي الجادر، د. كوثر عباس الربيعي، الأزمة المالية والدور العالمي للولايات المتحدة الأمريكية بين التراجع والممانعة، مجلة قضايا سياسية العدد 19/20 سنة 2010، ص: 28.
2 – عبد الحق الزموري، نحو نظام عالمي جديد، مراجعات كتب، مركز الجزيرة للدراسات، فيفري 2014، ص: 4
3 – يوشكا فيشر، عودة التاريخ .. العالم بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وتجديد الغرب، نقله إلى العربية هاني صالح، ط2 مكتبة العبيكان، المملكة العربية السعودية 2009 ص: 10.
4 – عامر عبد المنعم، المؤشرات الاقتصادية للانهيار الأمريكي، عد إلى الموقع الإلكتروني:
defense-arab.com/vb/threads/68408
5 – د. رباحي أمينة، تأثير التحولات الإستراتيجية في النظام الدولي على التنظير في العلاقات الدولية، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية والإنسانية العدد 06، 2011، ص: 31.