المادة 23 وإشكالية الجمع بين الوظيفيتين: تنص يمنع الجمع بين الوظائف العمومية والنشاطات الخاصة أو المهن الحرة، الغريب في دسترة هكذا مادة هو وجودها في قانون الوظيفة العمومية وبالاخص المادة 43 منه
غير ان إعطاء الصبغة الدستورية سيخلق إشكالات كبيرة وستترتب عليها نتائج سلبية خاصة بإضافة منع الموظف من ممارسة المهن الحرة، فكما هو معلوم على ارض الواقع هناك اكثر من %30 حسب رؤيتي موظف حكومي في الجزائر يمارسون نشاطات مربحة، خارج أو حتى أثناء وقت الدوام وهذا راجع الى أسباب منها:
1-من المستحيل بالنسبة للموظف التخلي على مهنة حرة تدر عليه ارباحا يؤطرها القانون وكذا حرفة يدوية أو تقليدية يحب ممارستها بمجرد حصوله على وظيفة ومثال ذلك المهندسين والمحامين ومحافظي الحسابات الذين يمارسون وظيفة الاستاذية بالجامعات الجزائرية.
2- ارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للمواطن الجزائري وبالأخص رواتب الموظفين في الإدارات العمومية.
3- غياب الأطر القانونية و الصرامة اللازمة في أجهزة الرقابة والمتابعة الحكومية، ونقض التغطية الرقابية فكيف لاي هيئة رقابة معرفة ان كان الموظف التابع لها يمارس وظيفة اخرى.
كنتيجة، أعتقد أن دسترة منع “الازدواجية الوظيفية” يتسبب في انعدام استغلال امثل لكتلة نقدية هائلة يمتلكها بعض الموظفين ممن تمكنوا او حازو على مبالغ هائلة ويحرم الخزينة العمومية للدولة من مداخيل جبائية كبيرة كان من الممكن أن تجنيها، كما انه يشجع على وجود اقتصاد مواز، فلماذا لا نسمح للموظف بعد ضمانه للأداءه الجيد لوظيفته بممارسة وظيفة اخرى يدفع من خلالها الضرائب والاشتراكات ويساهم في الاقتصاد ، لذا نقترح الغاء هذه المادة وتنظيم “ازدواجية الوظيفة” وضبطها بشروط واجراءات لا تجعل منها ممارسات تخل بالسير الحسن للوظيفة الأصلية إن صح التعبير ويتم تجسيد ذلك او حتى منع هذا الازدواج في قطاعات حساسة حسب القوانين الأساسية المنظمة لكل قطاع.
ومهما يكن واذا تم السماح بازدواجية الوظيفة في هذا الإطار نقترح الشروط الاتية أن : (01) حصول الموظف على إذن من الإدارة التي يعمل بها. (02)أن يكون النشاط الثاني خارج وقت الدوام الرسمي وخارج نطاق مكان العمل، وأن لا يسمح له باستعمال أيٌ من الممتلكات الحكومية في أداء ذلك النشاط. (03) ألا يؤثر النشاط الثاني على واجبات وقدرات الموظف في نطاق عمله الأصلي. (04) وأن لا يرتبط النشاط الثاني بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمهامه المكلف بها في الإدارة العمومية التي ينتمي إليها. (05) أن لا تكون طبيعة النشاط الثاني ذات علاقة تجارية أو مالية مع الإدارة العمومية التي يشتغل بها.
وأخيرا، وإن كانت مسودة الدستور تضمنت هذه المادة لعدة أسباب اعتقد ان أهمها امتصاص البطالة، او خلق مناصب شغل جديدة وتحسين أداء الخدمة العمومية بالتفرغ لها، إلا أنه وفي ظل توجه الجزائر الى اقتصاد السوق، حان الوقت لإعادة النظر الى ان سوق الشغل وتوفير مناصبه ليس محصورا فقط على القطاع العام وبالأخص في الوقت الراهن مع تطور التكنولوجيا ورقمنة الخدمة العمومية وتشجيع الاستثمار الاقتصادي الداخلي والاجنبي لابد من إعادة النظر الى النقطة المتعلقة بمنع “الازدواجية الوظيفية” في ظل ما يخدم المرحلة القادمة من النموذج الاقتصادي الجديد الذي تنتهجه الحكومة.
د/ عوالي بلال محلل اقتصادي وأستاذ جامعي