بقلم: الخبير في شؤون الطاقة الدكتور بوزيان مهماه
لما نتناول الشق الإقتصادي في مشروع الدستور، ونأخذ على سبيل المثال موضوع “الطابع الاجتماعي للدولة”، ونقوم بإجراء مقارنة بين المضامين، بين مضامين دستور “ما قبل الحراك” ومشروع دستور “مرحلة ما بعد كورونا” الذي مسودته بين أيدينا، سنجد أنه تمّت المحافظة على نفس المضامين، بل وإستعادة نفس الصياغات التي تتناول مسألة “الدولة ذات الطابع الاجتماعي” كما وردت في دستور الجمهورية الجزائرية (7 مارس 2016) حيث جرى التأكيد على “العدالة الاجتماعية” في أربعة (4) مواضع، حيث وردت في ديباجته في موضعين : ” إنّ الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، وهو متمسك بسيادته واستقلاله الوطنيين، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان الحرية لكل فرد، في إطار دولة ديمقراطية وجمهورية.” و أيضا ” وفخر الشّعب، وتضحياته، وإحساسه بالمسؤوليّات، وتمسّكه العريق بالحرّيّة، والعدالة الاجتماعيّة، تمثّل كلّها أحسن ضمان لاحترام مبادئ هذا الدّستور”، أعتقد بأن الدولة ذات الطابع الإجتماعي تسهر أساساً على تحقيق العدالة الإجتماعية، فإن الدستور الجزائري الساري وفي مسودة مشروعه المطروحة حاليا يؤكد أن من بين غايات مؤسسات الجمهورية هو “ترقية العدالة الاجتماعية”. لذا ففي منظوري الخاص، أعتقد بأن الدولة الاجتماعية هي الدولة التي تتمحور أنشطتها حول “الإنسان” بإعتباره هو الثروة الحقيقية، وتسعى إلى تنميته، ورفاهه (دولة الرفاه الإجتماعي) حمايته من الأخطار الاجتماعية التي تهدده، كالجهل، والمرض والبطالة والفقر، وتغوّله ضد أفراد جنسه، والدولة الإجتماعية، تتجسد كمؤسسة عادلة، تقوم على تجسيد مضامين العدالة الإجتماعية، والتي تتجلى من تحقيق المساواة، وتكافؤ الفرص، و ضمان الاحتياجات الأساسية لكل مواطن (من غذاء ومسكن وصحة وتعليم وعمل وحق في الأمن والسكينة الإجتماعية والترفيه و الحصول على بواعث السعادة الفردية والجماعية).
أعتقد بأن تعزيز هذا المنظور دستوريا، حالياً، مهم جدا، خاصة وأن عملية التجديد المعاصرة والحثيثة للفكر الإقتصادي، التي برزت من خلالها دعوات قوية تروج لفضائل امتداد دور الدولة ليشمل البعد الاجتماعي، بما عُرف بدولة “الرفاه الاجتماعي أو الرفاهية الإجتماعية”، وتتمثل الحجية الاقتصادية وراء ذلك في التفطن إلى عجز السوق على تحقيق الموازنة المستمرة من خلال آدائه الذاتي، وهو الدرس المستخلص من الأزمة العالمية الحالية التي تولدت بسبب وباء كورونا، وارتدادات فشل “السوق” كمنظم لحياة الدول والمجتمعات، هذه الأزمة الراهنة التي مثّلت اختباراً جدّياًّ للعديد من الآليات والمبادئ التي قام عليها نظام الحرية المطلقة للسوق، كما دفعت بفكرة “تصويب الدولة لآليات السوق” من مستوى النقد إلى ساحة المراجعات نحو إعتماد أنماط أكثر حداثة تتيح للدولة، ضمن المنظور الليبرالي، ممارسة دور نشط وأكثر فاعلية في النشاط الاقتصادي، من ناحية، وتسهر على ضمان توزيع للدخل أكثر عدالة وإنصافاً من ناحية أخرى.