بقلم: الدكتور عمر هارون أستاذ في الاقتصاد جامعة المدية
لقد جاء مشروع الدستور الجديد بالعديد من النقاط التي تستدعي التوقف والتمعن فيها ونقاط أخرى كانت منتظرة في حين جاءت بعض النقاط غامضة وتحتاج ربما لشرح من الخبراء الذين أعدوا المشروع وحتى من خبراء القانون الدستوري، ولكن بحكم التخصص، فإنني سأحاول الحديث حول بعض النقاط ذات الارتباط الوثيق بحيث جاء في المحور الأول والخاص بالحقوق الأساسية والحريات العامة ثلاث نقاط ذات ارتباط وثيق بالجانب الاقتصادي وتتعلق بحق المواطن في الوصول الى المعلومات والوثائق والإحصائيات واكتسابها وتداولها وهو شيء مهم جدا لممارسة الرقابة على مختلف مؤسسات الدولة، يضاف إلى ذلك الحق في الحصول على الماء وضمانه للأجيال القادمة والذي يعتبر من صميم التنمية المستدامة ويمكن الاحتجاج به إن كان هناك مخاطر مثلا في استخراج الغاز الصخري وتأثيره على الاحتياطي المائي في الصحراء بالإضافة لضرورة ضمان الدولة لجودة الخدمات الصحية واستمراريتها وهذا يعني أن الحكومة لا يجب أن تكتفي بتوفير التغطية بل عليها تقديم جودة في ما تقدمه من تغطية .
كرست مسودة الدستور حرية الفردية للملكية وحرية التجارة والصناعة في المواد 60 و 61 كما أشارت المادة الأخيرة لترك قضية تحديد المواد الإستراتيجية للقوانين وكان من الممكن إدراج بعض الصناعات في هذه الخانة بشكل قاطع كالصناعة النفطية والغازية بالإضافة للموارد التي تمتلكها الجزائر من الأتربة النادرة ( الألماس، الذهب، اليورانيوم ..الخ) كما تتكفل الدولة في نفس المادة بمناخ الأعمال وتوفير الشروط اللازمة لممارسة الأنشطة بشكل شفاف وفعال، كما وضحت المادة 62 أن الدولة تكفل بعملية ضبط السوق وأن القوانين التي ستسن لتسييرها ستضمن في كل الظروف استقلاليتها، والجزائر جد متأخرة في هذا الجانب الذي يعتبر أهم نقطة من أجل تنظيم عديد القطاعات التي تعيش الآن فوضى عارمة، خاصة ما تعلق بالقطاعات المحتكرة طبيعيا من قبل الدولة .
كما أن استحداث السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته وفق المادة 215 من الترقيم الجديد للمسودة كهئة مستقلة تتمتع بالاستقلالية المالية والادارية، أداة قوية لمحاربة الفساد الذي نخر الدولة الجزائرية وجعلها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار،لكن الغريب هو عدم تقديم تصور واضح للهيئة في الدستور وترك تطبيق ما جاء في المادة 216 منه لقانون عضوي يصدر فيما بعد وكان الأحسن تقديم كل شيء في الدستور، حتى من ناحية جهة المعينة للسلطة، والتي يجب أن تكون جهة قضائية بعيدا عن الرئاسة حتى يتم تجنب التحكم فيها من قبل السياسيين أو أن يكون تعيين الأعضاء من خلال محاصصة بين مؤسسات الدولة ليتم انتخاب الرئيس من بينهم، كما أن مجلس المحاسبة هو الآخر بقي تعيين رئيسه مخول لرئيس الجمهورية، وكان يفترض أن يكون تعيينه من هيئة قضائية أو من خلال نظام المحاصصة ويتم بعدها انتخاب رئيسه بشكل مستقل، ليملك رئيس حرية أكبر في العمل والكشف عن أي فساد في محاكاة لتجربة السلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات . كما يلاحظ إضافة مهمة بيئية للمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي الذي يعتبر مستشارا للحكومة وأداة مساعدة لها في مختلف المناحي .
لتبقى اقتراحات كالرغبة في تخصيص بعض البلديات بنظام خاص غير واضح حاله حال إمكانية انشاء مجالس استشارية عند الضرورة بموجب قوانين أو تنظيم حسب الحالات هي الاخرى غير واضحة .
إن أهم ما يلاحظ في هذا المسودة هو غياب تصور واضح لكيفية صياغة استراتيجية عمل بين مختلف الفاعلين في الحياة الاقتصادية، ولا منح دور ردعي لجهة من الجهات المنشأة كمجلس المحاسبة أو السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، أو المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للتدخل من اجل وقف عمليات قد تمثل خطر على مستقبل البلد، كما كان من المفترض السماح لهذه المجالس بأن تقدم استفسارات للحكومة أو لأي جهة في أثناء حصول الوقائع دون ربط الأمر بتقارير سنويا تقدم للهيئات، وهو ما يخلق توازن داخل الدولة ككل، إن غياب هذا الفكر الاستراتيجي يجعل السياسي يستفرد بأخذ القرار خاصة إذا قرر مثلا خصخصة قطاع الطاقة وهو غير مدرج ضمن المادة 61 من الترقيم الجديد التي لا تحدد القطاعات الاستراتيجية وتتركها للقوانين .