بقلم: م. لواتي
ثلاثة بثلاثة..
لم يكن الرسول – صلى الله عليه وسلم – من أغنياء مكة ولا من سادتها قبل البعثة .. كان بسيطا، ومع ذلك ظل يتأمل بعيدا عن أصداء الأرض وزخرفها قريبا من أصداء السماء وسموها وكأنه أحس أن الله مرسله رسولا بيده كتاب.. كان يؤمن رغم بعده عن مصادر التدين المتبقي من الحنيفية السمجاء – ديانة إبراهيم– عليه السلام– والذي سجل إشارات منها الشاعر العربي الكبير زهير بن أبي سلمى في كثير من أشعاره.
كان يبادر إلى فهم ما يمكن أن يكون عليه الإنسان بعيدا عن الواقع المادي، متيقن أن الله موجهها وحافظها، بالتأكيد لقد تولاه الله منذ البداية وهيأه لحمل الرسالة، ولم يكن هو يعلم ذلك وهو اليتيم، والفقير، والضال في فجاج مكة وشعابها، لكن، ولأن الله جلت – قدرته – حين يختار نبيا أو رسولا لا يختاره إلا بما هو عليه من سمو أخلاقي، ولا يصطفى أحدا من الملائكة والبشر إلا من كان من المصطافين الأطهار..كان إذن يتيما ((ألم يجدك يتيما فآوى)) وكان ضالا – ليس ضلال التدين – فهداه ((ووجدك ضال فهدى)) وكان فقيرا ((ووجدك عائلا فأغني ))هذه الصفات الثلاث هي من ظاهر الحياة وليس من قيمها وجوهرها.
هذه الصفات تتوفر في الكثير من بني آدم وعلى مدار القرون، تلك هي سنة الحياة، ولأنها صفات هي حاصل حياة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم– قبل البعثة فقد طلب منه ربنا جلت قدرته وعظمته في قوله ((فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر، وأما بنعمة ربك فحدث …)) أي كما أنعمت عليك بهذه الثلاثة أنعم بها أنت أيضا على غيرك .. وقد أشار الرسول – ص – في حديث نبوي إلى أن من مد يده وهو غير محتاج ملعون، وأن من منع من مد يده إليه وهو يعلم أنه في حاجة فهو أيضا ملعون.
إذا كان الله عز وجل أنعم على عبده بثلاث فقد أوجب عليه الاحترام لثلاث ليس كرد فعل ولكن لمبدأ إنساني عام ملزمون نحن به أيضا ذلك أن أيا من البشر وأيا كانت صفته قد يكون هو أيضا حاملا لتلك الصفات لأن ((ما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)) ولك الساعة التي أنت فيها أو كما ورد في الحديث النبوي من أصبح معافى في بدنه يملك قوت يومه ويحمل سره فلقد أعطيت له الدنيا.