الإحباط والاكتئاب يسيطران على الجزائريين
أكثر من مليون جزائري يعانون من اكتئاب حاد
الكثير من الجزائريين يرد عليك وهو يستيقظ لتوه من نومه أنه “كاره”، وهناك من تسمعه في الساعات الأولى للنهار يقول إنه “مديقوتي”، أو أنه “كاره كل شيء”، إلى غيرها من العبارات التي أصبحت تلازم الجزائريين رجالا ونساء، شبابا وشيابا، البعض يردها إلى “الشوماج” والبعض الآخر إلى “الروتين”، في حين يرجعها بعض الأخصائيين إلى تداعيات العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر والأزمة الاقتصادية، كل هاته ألقت بظلالها على نفسية الجزائريين الذين يعانون اليوم من شتى أنواع الأمراض النفسية والعقلية والانهيارات العصبية. كما أشار تقرير صحي، أشرف عليه مختصون في الطب النفسي، أن أغلب المنتحرين عاشوا في محيط عائلي مضطرب، وأن 15 بالمائة منهم عانوا من انهيارات عصبية خلال العشرية السوداء. كما أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى تدهور الصحة النفسية للشباب الجزائري، وعلى رأس المشاكل البطالة وتردي القدرة الشرائية مما سبب الإحباط لـ 12 بالمائة من المنتحرين الذين عانوا من مشاكل اجتماعية. كما أن أغلبية المنتحرين يعانون من اختلالات عقلية، في حين كان الدافع الذي جمع أغلبهم هو اليأس والإحباط الذي تمكن منهم في ظل تداعي حالتهم الاجتماعية والاقتصادية التي شهدت تدهورا كبيرا في السنوات الأخيرة، مما جعل من أرباب الأسر والشباب عرضة لانهيارات عصبية.
سناء بلال
أم الخير 45 سنة عاملة نظافة في مدرسة ابتدائية
“كل الأبواب أغلقت في وجهي للعيش حياة كريمة“
أم الخير أرملة أم لـ4 أطفال، عاملة نظافة في مدرسة ابتدائية، 45 سنة، ولكن من يراها يقول عنها عجوز طاعنة في السن، وجه عابس وشاحب من كثرة الهموم والمشاكل التي تعاني منها، توفي زوجها خلال العشرية السوداء، التقينا بها ونحن بصدد إعداد هذا التقرير عن حالات الاكتئاب والإحباط، عند علمها إنني صحفية فتحت قلبها لـ”الحوار” وراحت تسرد معاناتها قائلة، كل الأبواب أغلقت في وجهي، خاصة أني لم أدخل في حياتي للمدرسة، فلم أجد فرصة إلا عاملة نظافة، ولكم أن تتصوروا أن حتى هذا العمل ما كنت سأحصل عليه لولا بعض أهل الخير، الذين توسطوا لي لأحصل عليه، لأنهم يعرفون بظروفي المزرية، فزوجي، رحمه الله عليه، توفي ولم يترك لي حتى بيتا أعيش فيه بكرامة مع أولادي، حيث أنني أعيش في مستودع يفتقد لأدنى ضروريات الحياة الكريمة، لا ماء ولا غاز في عز برودة الشتاء، عندما أرى أطفالي يعانون معي هكذا يصيبني اليأس والإحباط، حيث تمكن مني اليأس في الفترة السابقة إلى درجة جعلتني أتعاطى المهدئات لأنام كي لا أشعر بحجم المعاناة التي كنت أشعر بها أنا وأطفالي، لكني اكتشفت أنها تضر أكثر مما تنفع، فقد كنت أهرب من واقعي وأقضيه في النوم إلى درجة أضرت أولادي، ولن أنسى بكاء ابنتي الصغيرة، وهي تبكي ماما وعلاش راكي غائبة علينا رانا محتاجين ليك بزاف، صراحة لم أعد أتحمل أكثر لكن لما أرى أولادي ولمن أتركهم بعدي أصبر، وأدعو الله أن يرزقني الصبر وتفرج علي بسكن لأعيش كبقية الناس حياة كريمة مع أولادي، أملي في الله عزوجل أن الفرج سيأتي يوما.
“نور الدين” 55 سنة عاطل عن العمل
“لا عمل ولا زواج حياتي لا معنى لها“
نور الدين، 55 سنة، شعوره المستمر بالإحباط لضياع سنوات شبابه سدى دون عمل، ولا حتى إكمال نصف دينه في الزواج أدخله في حالة اكتئاب حاد، حيث يحدثنا بحسرة وألم وبوجه شاحب، يقول طرقت كل الأبواب دون جدوى لأحصل على منصب عمل دائم، حيث عملي كعامل يومي بأجر زهيد لم يكن يسد حتى حاجياتي اليومية، حيث مرت سنوات شبابي دون أن أشعر حتى وصلت إلى هذا السن، وأنا وحيد لا أنيس يؤنس وحدتي ولا حتى زوجة وعائلة، حيث أن الفتاة التي ارتبطت بها عاطفيا في الماضي، هجرتني بعد أن يئست من تحسن وضعي الاجتماعي، تزوجت هي وأصبح أولادها شباب، وأنا ضاع عمري مما دفعني إلى حالة انهيار عصبي والدخول في دوامة مع الأطباء النفسانيين ومضادات الإحباط التي أصبحت مدمن عليها، ولا فرق بينها وبين المخدرات، حيث يكفيني أن أقضي ساعات طويلة من النهار في النوم لكي لا أشعر بما حولي، والأصعب هو التوقف عنها، لأن ذلك يتطلب شجاعة و إرادة، مثلها مثل المخدرات أصبحت مدمن عليها لأنسى ـ للأسف ـ واقعي الذي أعيشه. أمثال أم الخير ونور الدين كثيرون ممن صعّبت عليهم ظروف الحياة التأقلم مع المجتمع والظروف، فوجدوا أنفسهم فريسة للأمراض النفسية والعصبية تفتك بهم وترميهم خارج ملعب الحياة، يقضون أيامهم في انحطاط وإنهاك ونوم متواصل بسبب الأدوية المضادة للإحباط والاكتئاب، لكن لهذه الأدوية أعراض جانبية يتجاهلها جل من يقعون فريسة للأزمات النفسية، فمضادات الإحباط لمن لا يعرف تأثيرها، تعالج عبر التأثير على توازن ناقلي الخلايا العصبية في الدماغ، وهي تملك مفعولا مباشرا على الشعور بالحزن والإحباط وفعالا في نفس الوقت، لكنها علاجات ليست خالية من المخاطر، فالمنومات مثلا تجعلنا ننام ولكنها لا تحسن نوعية النوم، ونومها ليس معوضا، أما مضادات الإحباط فهي تعدل الحالة النفسية عبر تأثيرها على الخلايا العصبية، لكن تأثيرها يشبه المخدرات.
أكثر من مليون جزائري يعانون من اكتئاب حاد
احتلت الجزائر المرتبة السادسة إفريقيا من حيث عدد المصابين فيها بالاكتئاب، وذلك مناصفة مع كل من المغرب وليبيا، فيما احتلت تونس المركز الثاني، حسب نتائج دراسة قام بها موقع ” بيزنيس انسايدر”. وحسب الموقع، فإن مليون و683 ألف جزائري يعانون من الاضطرابات النفسية الناتجة عن الاكتئاب، في حين أن المغرب تحوز هي الأخرى عن أزيد من مليون و400 ألف حالة اكتئاب. وتشير الدراسة إلى أن هناك 322 مليون حالة تعاني من اضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم، ويوجد في المنطقة الإفريقية 29.19 مليون حالة.
الدكتور محمد حامق أستاذ علم النفس
“سنوات التسعينات بدأت تظهر مخلفاتها على الحالة النفسية للجزائريين“
كشف الدكتور محمد حامق، أستاذ علم النفس، أن 60 بالمائة من الجزائريين يعانون الاكتئاب الحاد، الذي أطلق عليه أحد الباحثين الجزائريين تسمية ” الاكتئاب الأحمر”، ويعني أن العشرية السوداء التي عرفتها الجزائر سنوات التسعينيات بدأت تظهر مخلفاتها على الحالة النفسية للجزائريين بعد صدور قانون المصالحة الوطنية. وقال حامق، إن ما يفوق مليون جزائري لديهم اضطرابات نفسية فصامية، أو ما يسمى باضطراب تعدد الشخصيات، وإن الإحصائيات الرسمية للأمراض النفسية غير دقيقة، والسبب ـ حسب الدكتور حامق ـ عدم وجود مرجعية موحدة في الطب النفسي. كما أشار الدكتور حامق، إلى أن الجزائر تعرف مؤخرا، انتشارا كبيرا للأمراض النفسية والعقلية، في وقت لا يزال الطب النفسي متأخرا جدا، حيث لا يكفي توظيف نفسانيين اثنين في مستشفيات عمومية، تضم 12 مصلحة بالمقارنة مع الأعداد الكبيرة لخريجي الجامعات المختصيين في علم النفس، فإن التوظيف يتم بوتيرة بطيئة. واستغرب الدكتور حامق، العدد الضئيل للموظفين النفسانيين في مؤسسات الدولة، حيث يقابل كل طبيب 600 مريض. وقال إن المدراس الابتدائية لا تزال تفتقر إلى الطبيب النفساني، وهو ما ضاعف العنف المدرسي. وكما أشار الدكتور حامق، إلى أن أزمات كبيرة وقعت في الجزائر كمذابح الإرهاب وزلزال بومرداس وفيضانات باب الوادي تكفل بعلاج ضحاياها أطباء نفسانيون يحسبون على أصابع اليد.
انفصام الشخصية يمثل 75 بالمائة من الأمراض العقلية بالجزائر
أكدت الأخصائية في الأمراض العقلية، عيواز خديجة، بأن 75 بالمائة من المرضى العقليين الموجودين على مستوى مصالح مستشفياتنا يعانون من انفصام الشخصية، وأغلبهم من الشباب والذكور، منهم أكثر من الإناث، وذلك بسبب المشاكل الاجتماعية والعاطفية أو بسبب الصدمات كالإرهاب أو فقد عزيز بالموت أو الفراق. وأضافت بأن مرض الفصام هو كسائر الأمراض المزمنة، يتم متابعته طبيا والتعايش معه، وذلك بالمثبتات العقلية والأدوية المضادة للهلوسة التي على المريض المداومة عليها حتى لا يتحول إلى عدواني ولا تكثر عليه الوساوس القهرية، والغريب أن جل المصابين بانفصام الشخصية يعتقدون سماع أصوات شيطانية تكلمهم، أو بالأحرى أصواتا للجن، مما يدفع الأسر غالبا إلى الاعتقاد بأن أبنائها مصابون بمس من الجن، فيلجأون للرقاة ويضيعون الوقت والمال بعيدا عن أهل الاختصاص، مما قد يتسبب في تأزم حالاتهم أكثر.
محمد وليد بن معيزة:
الجزائر تفتتح أول عيادة لعلاج القلق والتوتر
العيادة الأولى من نوعه، يقول بن معيزة إن فكرة إنشاء المركز راودته بفضل ما شاهده من مصحات نفسية في أوروبا تساعد الناس على الاسترخاء والتخلص من مشاكل الحياة ومن القلق والتوتر الذي صار ملازما لهم. العيادة تتوفر على فريق طبي متكامل، منه أطباء وأخصائيين نفسانيين، منهم المتخصص في المشاكل الزوجية والعائلية، ومنهم من يتخصص في الإدمان، هذا المشكل الكبير المتعلق أيضا بالمشاكل النفسية للمدمنين، وتكفي مدة 21 يوما للتخلص من مشكل الإدمان، بالإضافة إلى علاج “الفوبيا” التي يعاني منها البعض. وأكد أن العشرية السوداء وفيضانات باب الوادي ساهمت في تدهور الصحة النفسية للجزائريين، مشيرا إلى أن العيادة تستقبل 1000 مريض، منهم نساء وإطارات يعانون من الضغوط والتوتر، مؤكدا أن الخوف والخجل من زيارة الطبيب النفسي صارت من الماضي، وأطلق نداء للمواطنين أن من يعاني من القلق والتوتر يحتاج إلى استشفاء في المصحات لا إلى اجتهاد شخصي وأدوية تخفيف التوتر التي تشترى عشوائيا من الصيدليات. ونصح المرضى بعدم المعاناة في صمت للتخلص من معاناتهم، مشيرا إلى أن العلاقة بين المرضى والطاقم الطبي في المصحة هي علاقة أسرية وأسرار المرضى لا تخرج لأحد.
البروفيسور عبد الرحمان بلعيد رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى الشراقة:
الضغوط النفسية نهايتها أمراض عضوية مزمنة
أكد بلعيد أن فئة من المجتمع الجزائري يعاني من مشكل انفصام الشخصية بعدما تطورت حالتهم النفسية، مشيرا إلى أن التكفل النفسي مطلوب في الأول وليس بعد التعقيدات، مشيرا إلى أن أغلب المرضى لا يتكلمون عن معاناتهم النفسية حتى تظهر الأعراض عليهم، وساعتها يكون المرض النفسي قد استقر وتشعب.
وتقول سميرة فكراش، مختصة في علم النفس الاكلينيكي، أن الأمراض النفسية والضغوطات في الوسط المهني والعائلي، تعرض الجزائريين إلى أمراض عضوية أيضا، وعلى رأسها أمراض القلب.
عبد المجيد أولخيار، مختص في الطب الداخلي، أكد أن النمط المعيشي للجزائريين تغير كثيرا في السنوات الأخيرة، مؤكدا أن الضغط النفسي والتوتر سبب مباشر في الإصابة بالشره، فالشخص القلق يقبل على الأكل ليزيل قلقه، فيقبل على تناول كميات كبيرة من الدهون والسكريات، مما يتسبب لهم في الإصابة بالبدانة، وبالتالي أمراض عضوية وعلى رأسها القلب.