24 سبتمبر، 2020
الحوار الجزائرية
المجلة

في ذكرى وفاة “مهري”.. العظيم !!

أسامة وحيد

حين تضيق الأرض بأوتادها، ويخذل الزمن رجالا، المفترض أنهم عنوانه، لا غرابة، أن يقدم الغريب عن زمن هو سيده، استقالته، ليس فقط من الأرض، ولكن من حياة، إما أن يكون فيها المنارة، وإلا فإن الظلام ملاذ لمن خذله النور.

الحكاية بمختزل الغياب، كان هنا في زمنكم هذا، يا من مسختم كل زمن بعده وقبله، هَرَمٌ، ليس ككل الرجال، رجل في أمة، يُدعى الأستاذ عبد الحميد مهري، أو كما ينعته الخصوم قبل الرفاق، بشيخ السياسيين الذي جمع بين الوطن و”التوطن”، ليكون استثناء تاريخيا، لم يساوم، لم يقايض، لم يبع ولم يبتاع ولا موقفا واحدا، خارج ما كان يؤمن به ويعيشه، وجاهد وحارب لأجله، فالرجل الشيخ، كان من طينة كبار، صدقوا التاريخ ما عاهدوا الله عليه، ليقضي له بعد “نخبه” باستقلال، راه ناقص، نحبه، معلنا الترجل من على صهوة وطن، ذات يوم من تاريخ 30 جانفي من عام 2012، حيث ستة سنوات تمر على “نهاية” وطن، كان مختزلا في رجل، و”مهري” من نوع خاص، وخالص الذَهَبِ، كمعدن، و”الذهاب” كغياب من زمن لم يعد ضفة فيه..

اقتربت منه ذات يوم، شخصية سياسية كبيرة، لها ما لها من “فك وربط” ومسؤولية، لتطلب منه وهي تشد على يده بقوة الاحترام الذي يسبق ظله، لتسأله تلك الشخصية الكبيرة، عونا لها، فيما أوكل لها، وكانت إجابة الشيخ الهرم صادمة، لكنها اختزلت كل المنفى الذي كان يعيشه رجل بمستوى الأستاذ عبدالحميد مهري، فقد رد على من طلب منه عونا بكل شموخ: أوليس صمتي أكبر عونا لك؟!! إني أساعدك بصمتي يا صاحبي؟؟

هذا هو مهري، رجل لم يكن يهادن كبيرا ولا صغيرا، ولم يكن يخشى أن يقف العالم وحده ضده، دفاعا عن مبادئه ومواقفه، وما يؤمن به من “ثوابت” أمة، كانت هي بضاعته وسلعته وأملاكه في جزائر، تعودت أن تخصي وتقصي الرجال، ممن يرفضون زمن الردة والرداءة، والكل يذكر، شموخ الرجل، يوم قال في وجه سلطة كان يمكنه أن يكون “عرَابها” لكنه رفض، ليترك صرخة: إننا في زمن الرداءة وللرداءة أهلها.

طبعا، الشيخ مهري، لم يكن جزءا من زمن الرداءه، لذلك، ظل نقيا ورحل طاهرا من كل دنس، دنس الدماء، ودنس التسيير، ودنس التآمر على التاريخ وعلى جغرافيا بلد، كان يعي يقينا أبعاد التآمر عليها، ليس من طرف “الخارج” فقط، ولكن من “داخلها”، حيث مهري، وحده من ظل ثابتا قبل أن ينتقل “ساكتا”، حين وصل إلى حقيقة، أنه، لا أمل ولا مجال ومكان للتغيير.

سيذكر التاريخ، تاريخ المحروسة، أن شيخا مرّ من هنا، وكان هرما، وقد حاول وحاول، وفوق ذاك حوصر وحوصر، لينتهي بعد يأس مترجلا من على صهوة وطن، كان يريده عظيما، لكن غيره، أرادوه رميما.

رحمة الله عليك، سيدي “الهرم”، فقد انطفأت شمعتك، لكنك ظللت الرجل الذي كان أمة، حين خذل الجميع الأمة، والتزم الحياد أمام انحراف وانجراف وطن.

مهري، قصة رجل وحكاية وطن ونهاية حلم، ذاك هو شيخ السياسيين في ذكرى وفاته السادسة، ولقد صدق، قبل ترجله يوم قالها: (إن للرداءة أهلها) في أهلها رحل الكبير و”بقي” الصغار، يسيرون “رداءة” وردّة، لا أبا بكر ولا مهري لها.

مقالات متشابهة