24 يونيو، 2020
الحوار الجزائرية
وطني

المذهبية الطائفية تنعش اقتصاديات الإعلام

 

بقلم: الدكتور محمد بغداد

أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ترصدها المؤسسات الإعلامية الغربية، للاستثمار في الموجة القادمة من الحروب الشرسة بين المسلمين، في منطقة الشرق الاوسط، بعد انتهاء “موجة داعش”، وتدشينا “لمرحلة التوحش”، وهي المرحلة التي ستدر ألاف المليارات من الأرباح على أصحابها، وقد انتبهت المؤسسات الإعلامية في المنطقة للموضوع، فسارعت إلى الانخراط السريع في الموجة الاستثمارية الجديدة، علها تظفر ببعض الأرباح، وتنقذ نفسها من مخاطر الإفلاس العالمي المؤلم.

 

  • أوهام الحقيقة وأرباح الحروب

خلال الخمسين سنة القادمة، يتوقع أن تتجاوز أرباح المؤسسات الإعلامية المشتغلة بحروب الطائفية المذهبية، التريليون دولار، وهي المدة الزمنية التي يتوقع أن يقضيها المسلمون في حروبهم الشرسة بمبررات تاويلية دينية وتاريخية، انطلاقا من خضوعهم التام لتقارير وتوجيهات أباطرة صناع الإعلام وفلاسفتهم المسوقين للنظريات الحروب الإعلامية الجديدة، التي يحرص صناعهم على اقناع المسلمين بكل طوائفهم، أنها لا تصلح إلا لهم، وهي الدواء الشافي لجميع أمراضهم، وهي الفرصة السانحة التي تخلصهم من عذابتهم وشقائهم، ودورانهم في مستنقعات التخلف التاريخي.

إن الاستثمارات الرهيبة التي يقوم بها المسلمون اليوم، بكل طوائفهم ومذاهبهم في المجالات الإعلامية، تعتبر الاضخم في تاريخهم الطويل، وطبعا بتوجيهات وإرشادات مباشرة وغير مباشرة، من أباطرة صناع الإعلام في الغرب، فزيادة على الاجهزة والإمكانيات الإعلامية، التي يشترونها من الغرب، تحرص كل المؤسسات الإعلامية التي يقيمها المسلمون، على الاستنجاد بالخبراء والمستشارين الغربيين، الذين يشرفون على الحملات الدعائية الإعلامية، التي تقوم بها كل طائفة أو جماعة أو تيارات من المسلمين، على خصومها من المسلمين الآخرين.

ونظرا لتكاثر استثمارات المسلمين في المجالات الإعلامية، باعتبارها أسلحة حروب الحاضر، فإن تكاثر ميلاد الشركات الاستشارية الإعلامية، يزداد في الغرب وتزداد معها عروض الخدمات والاستشارات الإعلامية، كونها تجني من أرباح الاستشارة والإشراف، اضعاف ما تجنيه من بيع الأسلحة الإعلامية للمسلمين.

  •     السنة والشيعة لعنة التاريخ

مشكلة العالم الإسلامي الوحيدة، تتمثل اليوم تحديدا في الخطر الذي تمثله الشيعة على جميع المسلمين، الذين يجب عليهم القيام بحرب إبادة حقيقية، لا تبقى على الأرض شيعيا واحدا، هكذا تقول وتؤكد أدبيات أهل السنة، الذين يمثلون العقبة الأكبر في طريق المسلمين، لكي يستعيدوا مكانتهم بين أمم الأرض، ويتخلصوا من تخلفهم هكذا تحرص على ترويجه أدبيات الشيعة، ومن هنا فإن المعركة الكبرى بين السنة والشيعة، ستكون معركة العصر، وأن كل طرف منهما عليه أن يقوم بمهمته التاريخية اليوم، المتمثلة في إبادة الطرف الآخر وإزالته من الوجود.

وما دامت صراعات الشيعة والسنة المتوارثة، لم تحسمه الأسلحة على مر القرون، منذ زمن مقاتل الطالبيين، فإن التكنولوجيات الإعلامية والأسلحة الاتصالية اليوم، تمثل الفرصة الذهبية السانحة لإنهاء الخصومة التاريخية، وتوقيف لعنة التاريخ، وبقضاء أحد الطرفين على الآخر، وزوال الشيعة أو السنة من الوجود، والأمر ينسحب على بقية التيارات والمذاهب، فإن الطريق سيكون معبدا أمام من يتبقي من المسلمين للوصول إلى المجد الأبدي والعزة العالمية.

إلا أن الخطوات الجبارة التي خطاها الشيعة في الاستثمار الإعلامي، والنجاح المهم الذي حققوه، دفع أهل السنة إلى التشمير على السواعد، والتوجه نحو الاستثمار في مجالات الإعلام، لامتلاك الأسلحة التي تكون قادرة على مواجهة الخطر الإعلامي الشيعي، والتقليل من أضراره المتفاقمة، وفي الوقت الذي يسارع أهل السنة للاندفاع بما تبقى عندهم من رؤوس أموالهم، في السوق الإعلامي، يشتاط الشيعة غضبا، فيضاعفون استثماراتهم الإعلامية التي تفوق الثلاث مليارات من الدولارات، لتنتعش الأسواق الإعلامية، وترتفع مستويات الاستهلاك لمنتوجات الحقد والضغينة، وتتوسع مشاعر الكراهية، وتزهق المزيد من الارواح، وتفوح روائح الموت بين المسلمين.

 

  • الوهابية المخالب المجروحة

إن الوضعية الحرجة التي وجدت الوهابية نفسها محاصرة فيها، من خلال تغير موازين القوى الدولية، وبالذات في منطقة الشرق الاوسط، وبروز النتائج المزعجة للتحولات الهيكلية الداخلية، وما نتج عنها من بروز أضرار خطيرة طفت على السطح، دفعها نحو الاستنجاد بالأسلحة الإعلامية الجديدة، من أجل استعادة مساحات النفوذ الاقليمي، التي غزتها جهات منافسة لها، فراهنت الوهابية على المؤسسات الإعلامية، ورمت بثقلها الكبير للاستثمار فيها، عبر العمل على احياء صراعات الماضي، وجعلها مخاطر الحاضر واستعادة مكانتها الأولى، باعتبارها الممثلة الأولى للإسلام في العالم، والراعية لمفاهيمه والحامية لمصالحه.

ولأول مرة في تاريخ الوهابية، اقتربت ميزانيتها في الاستثمار في مجالات الإعلام، ميزانية شراء السلاح، ويتوقع أن تتجاوز رؤوس الأموال الوهابية الموجهة للاستثمار الإعلامي في العالم العربي، المليارين من الدولارات، ويراد من رؤوس الأموال الوهابية، تحقيق هدفين أساسيين، أولهما استعادة مكانة الهيمنة الوهابية وبسط سيطرتها في المنطقة، وثانيهما مواجهة ضربات خصومها المؤلمة التي ألحقت بها خسائر كبيرة، والتقليل من المخاطر المؤلمة المتوقعة في المستقبل.

وقد بدأت الأدبيات الوهابية الجديدة، تحرص على التنبيه لدور وأهمية الإعلام في الصراعات الطائفية المذهبية، والإشادة بالوسائط التواصلية، والدعوة إلى إلغاء الفتاوى القديمة، والتوجه نحو الافتاء بوجوب اعتماد التكنولوجيات الإعلامية، باعتبارها الواجبات الشرعية الحالية، وأنها أهم من الصلاة والصيام، في انسجام كبير بين الفتاوى الجديدة، والتوجهات السياسية للنخب الحاكمة في المشروع الوهابي، الذي يرنو إلى الوصول إلى آفاق الفين وثلاثين.

  • دماء الاحياء وأسلحة الموتى

إن الموجة الجديدة من الاستثمار الإعلامي، الذي يقوم به المسلمون، ضد بعضهم البعض، تستهدف تحقيق أكبر قدر من الارباح، من خلال استخدام أدق الوسائل التكنولوجية الجديدة، التي ستسخر في نبش المقابر واستخراج الأموات، من الزعماء والقيادات والعلماء والشيوخ، واعادة احياء خطاب الطوائف والفرق،  لما يمتلكون من ثقل الكارزما الرمزية، والكثافة العاطفية التأثيرية في الجماهير التائهة، التي تشكل السوق الدولي الكبير لاستهلاك خطاب الطوائف والفرق، الذي لا حدود لمساحاته، والذي سيكون الضاغط الأهم على المؤسسات الإعلامية، لإنتاج المزيد من الشحنات العاطفية الطائفية المذهبية الساخطة، التي ستكون المادة الأكثر استهلاكا.

فالأموات من عصور الانحطاط، هم من سيكون قادة الإنتاج الإعلامي المذهبي الطائفي، ويقودون أجيال الحاضر نحو الحروب الشرسة، من خلال مقولاتهم واسنتاجاتهم وأرائهم ومواقفهم، التي سجلوها في أزمنتهم، تجاه غيرهم من التيارات والمذاهب، والتي تختلف تماما عن أزمنة الحاضر والمستقبل، إلا أن التكنولوجيات الإعلامية الحديثة، ستزيل من طريقهم عقبات الزمن وحواجز الجغرافيا، وتجعلهم في مواجهة معطيات الحاضر و إفرازات الواقع، وسيكون منتوج الأموات المتمثل في خطاب الطوائف والفرق، الأداة التي تنظر بها أجيال الحاضر إلى واقعها، وهم من يحددون طبيعة المواقف والسلوكات الحاضرة.

إن الارتفاع المذهل اليوم، للوسائل الإعلامية، والوسائط الاتصالية، وسهولة انتشارها وسرعة وصول رسالتها إلى أغلب الفئات المتعطشة إلى الصراع والمواجهة الداخلية، والمقاتلة من أجل الحصول على اجابات مقنعة لمشكلات واقعها ومعرفة اعدائها، وامتلاك الأسلحة المناسبة للتخلص من منغصاتها، سيكون الطفرة الاقتصادية الكبرى، التي ستغير علاقة مستقبل الإعلام والمال، انطلاق من مشكلات المسلمين.

 

مقالات متشابهة